"مدينة ترنو إلى الشمس" مخطوط لريم العفيف ينتظر النشر
10-11-2024 11:41 AM
عمون - قراءة د. بسام قطّوس- بين الواقعية التسجيلية والعبث السُّوريالي تقع مجموعة ريم العفيف الموسومة بـ" مدينة ترنو للشمس"؛ أبطالها واقعيون يعيشون بيننا، وأحلامهم طبيعية مثل أحلامنا، وحين يصطدمون بالواقع يلجأون إلى الحُلم، وهو حُلمٌ أشبه بكابوس قد يقودهم إلى نوع من هوس جنوني.
ففريد وابرافو وسواهما، يمثلون نموذجاً نمطيّاً للجشع والاستغلال، والأولاد والأحفاد يمثلون نموذجاً آخر موازياً لاستغلال الجدة، وزين يمثل نموذجاً للطموح، وننخرساج وفطيم تمثلان نموذجاً للتوق للحرية، ورابعة المحرومة تمارس طقوسها التي ترجئ بها شوقها المخنوق. و"قسوة عقود"، و"حكمة صونيا"، و"بصيرة خزنة"، وحلم المسافرة طويلاً في قصة "سفر" لتقابل الحاكم تفاجأ (ويا لهول المفاجأة)، بأن الحاكم مهتم بأمر حذائه أو "نعله" المهترئة، أكثر مما هو مهتم بمصائر الناس من شعبه، كلها ترسم مآلات الاغتراب الاجتماعي لأبطال المجموعة، وهكذا دواليك.
قصص قصيرة جداً ذات مزاج "كافكاوي" أحياناً، ينضح منها التجريب، على سنَّة من سبقها في هذا اللون القصصي من أرباب التجريب في العالم، وفي الوطن العربي، وعلى رأسهم القاص العربي الفلسطيني الكبير الأخ والصديق محمود شقير، الذي يشكِّل علامة فارقة في القصة القصيرة جداً في وطننا العربيّ.
وإذا كانت ريم العفيف، وهي تقدِّم مجموعتها القصصية الأولى للقراء والمتلقين، لم تبلغ شأو كبار القاصّين العرب والعالميين الذين أسهموا في التأسيس لهذا اللون من القص، وهو أمر طبيعي، ولكنه مبشّر بولادة قاصّة تمتلك خيوط اللعبة السردية، وأنا على يقين أنها حين تنصرف إلى القراءة المكثّفة بشهيّة، وتحفرُ على كمِّ من التجارب القصصية، ستجد طريقها إلى عالم السَّرد، وهو عالم مليء بالأسرار والعجائب، والأمنيات والرغائب، وهي على أول الطريق إليه، ولكن بقوة الموهوب، وسلامة فطرة الذكيِّ، وحسن إصغاء المصغي، وأمل المتأمِّل في الحياة والناس.
أقول فطرة الذكيِّ، وأنا أحاول جسَّ سيمياء عنونتها، فأقرأ سيمياء العنوان الرئيس للمجموعة" مدينة ترنو للشمس"، بوصفه إشارة دالّة ورامزة ومحيلة في الوقت نفسه، لأحلامها وتطلعاتها بأن ترى وطناً بحجم طموحاتها: مساواة بين الرجل والمرأة، وإنصافاً في الفرص، وعدلاً في توزيع المكتسبات...إلخ.
ولعل هذا التأمل الراني إلى الحريّة، والمتطلع إلى مفرداتها، في عديد القصص المبثوثة في هذه المجموعة، هو، وهو وحده، ما يؤهلها لخوض غمار تجارب إبداعية مقبلة وواعدة.
وفي النهاية أتمنى لريم العفيف، وهي الصحفية المتابعة، والقارئة المستزيدة، مزيداً من العطاء، والنجاح، لنراها وقد حلَّقت في عالم السرد، وأتت بما يدهش ويلذّ ويمتع، وإنني أراها قمينة بذلك.
تجدر الإشارة إلى أن غلاف المجموعة القصصية للفنان التشكيلي عمر البدور الذي يؤكد على أهمية حضور الفن في الأعمال الأدبية.
* الدكتور بسام قطّوس/ استاذ النقد الحديث في جامعة اليرموك.