تسعى الحكومة من خلال مشروع موازنة عام 2025 إلى تحقيق أهداف طموحة لتحفيز الاقتصاد وتوجيهه نحو النمو والاستقرار. وقد اعتمدت هذه الموازنة على فرضيات اقتصادية رئيسية تشمل زيادة الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق استقرار نسبي في مستويات التضخم، مع تحسين ميزان المدفوعات وتقليل عجز الحساب الجاري. إلا أن هذه التوقعات قد تواجه تحديات متعلقة بالوضع الإقليمي الذي يشهد اضطرابات سياسية واقتصادية متزايدة، مما يجعل من الضروري التفكير بواقعية في احتمالية تحقيق هذه الأهداف وتقييم التأثيرات المحتملة للعوامل الخارجية.
بحسب بيانات الموازنة، يُتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة 2.5 % في عام 2025، ليصل إلى 3 % في عامي 2026 و2027. ورغم أن هذه النسب تعتبر معتدلة مقارنة بدول أخرى في المنطقة، فإن تحقيقها قد يتطلب استقرارا سياسيا واقتصاديا، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي. فالأردن يقع في منطقة مضطربة، حيث قد تؤثر الأزمات السياسية والأمنية في الدول المجاورة على الاستثمار والنمو الاقتصادي. وفي هذا السياق، يُلاحظ أن الحكومة تحاول احتواء معدلات التضخم ضمن نطاق آمن؛ حيث تتوقع أن يبلغ التضخم نسبة 2.2 % لعام 2025، ويصل إلى 2.5 % في العام الذي يليه. ولتحقيق هذا الهدف، من الضروري السيطرة على الأسعار وضبط عوامل العرض والطلب المحلية، إلى جانب الحفاظ على استقرار العملات الأجنبية والمواد الأساسية.
أما فيما يتعلق بالتجارة الخارجية، فتشير التوقعات إلى نمو الصادرات الأردنية بنسبة 0.7 % في عام 2025، لترتفع بشكل ملحوظ إلى 6.6 % في عام 2026، و4.6 % في 2027. ومع أن هذه الزيادات تشير إلى تعزيز حركة الصادرات، فإن تحقيقها قد يكون تحديا في ظل الاعتماد الكبير على الأسواق الإقليمية المتقلبة. يتطلب ذلك بذل جهود مكثفة لتحسين كفاءة القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، وتقليل الاعتماد على أسواق محدودة عبر فتح آفاق تجارية جديدة. من جانب آخر، يُتوقع أن تنمو المستوردات بنحو 4.1 % في 2025 و7.1 % في 2026، مما قد يزيد من الضغط على ميزان المدفوعات. تسعى الحكومة إلى تقليص عجز الحساب الجاري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 4.6 % في عام 2025 إلى 3.8 % بحلول عام 2027، مما يتطلب إجراءات تهدف إلى تعزيز الصادرات على حساب الاستيراد ودعم القطاعات المحلية لرفع تنافسيتها.
ولتفادي التأثر بالظروف الإقليمية السائدة، يحتاج الأردن إلى تنفيذ ما ورد في رؤية التحديث الاقتصادي لتعزيز مناعته الاقتصادية والتقلل من تأثره للأسواق الخارجية. في هذا الإطار، يمكن التركيز على استقطاب استثمارات خارجية نوعية، ولا سيما في قطاعات مثل التكنولوجيا والسياحة التي يملك الأردن فيها إمكانيات واعدة. كما يعد تحسين بيئة الأعمال وإزالة العقبات البيروقراطية والاقتصادية خطوة أساسية لجذب المزيد من الاستثمارات. ومن شأن الاستثمار في البنية التحتية وتعزيز استقرار البيئة السياسية والاجتماعية أن يسهم في بناء ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في الاقتصاد الأردني.
يظهر مشروع موازنة 2025 طموحا في طبيعته، لكنه يتطلب دعما استراتيجيًا وتنفيذ سياسات واقعية لمواجهة التحديات التي قد تطرأ، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المعقدة. وبالتوجه نحو تنويع مصادر الدخل الاقتصادي وتحفيز الاستثمارات الخارجية، يمكن للأردن تحقيق تطلعاته في النمو المستدام وتقليل الاعتماد على تقلبات الأسواق الإقليمية.
الغد