انسحاب إدارة ترامب من اتفاق باريس للمناخ
عمر الشوشان
09-11-2024 07:44 PM
في وقت يشهد العالم فيه ارتفاعًا حادًا في درجات الحرارة وتزايد تأثيرات التغير المناخي، يسعى المجتمع الدولي لمواجهة هذه التحديات من خلال التعاون متعدد الأطراف، أبرز مظاهره اتفاق باريس. إلا أن نية إدارة ترامب الجديدة للانسحاب مجددًا من الاتفاق قد تعرقل هذا المسار، وتؤثر سلبًا على تحقيق الأهداف المناخية الطموحة.
تأثير الانسحاب على التقدم في خفض الانبعاثات:
يشكل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس ضربة كبيرة للجهود العالمية الرامية إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. تمثل الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، ورغم أن العديد من الدول قد أبدت التزامًا جادًا بتقليص انبعاثاتها، فإن غياب الولايات المتحدة عن المشهد الدولي يقلل من فعالية هذا الالتزام. بالنظر إلى أن معظم الدول الكبرى اتفقت على تعزيز مبادراتها في هذا المجال، فإن غياب القيادة الأمريكية يضعف الزخم السياسي الضروري لمواصلة الجهود المناخية.
كما أن انسحاب الولايات المتحدة قد يفضي إلى حالة من عدم اليقين بالنسبة للدول الأخرى التي لم تحسم موقفها بشأن التزاماتها المناخية، خاصةً في ظل المنافسة الاقتصادية العالمية التي تدفع بعض الدول إلى تقليص تكاليف تنفيذ سياسات بيئية صارمة. هذا يمكن أن يعزز من ميل بعض الاقتصادات الكبرى للابتعاد عن الأهداف المناخية بدلاً من تعزيزها.
تأثير الانسحاب على دول الجنوب والتمويل المناخي:
دول الجنوب الفقيرة والنامية تمثل الفئة الأكثر تضررًا من التغير المناخي، وهي التي تعاني من تداعيات الكوارث الطبيعية دون أن تساهم بشكل كبير في زيادة الانبعاثات. هذه الدول تعتمد بشكل أساسي على التمويل الدولي لتطبيق مشروعات التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي. ومع ضعف الالتزام الأمريكي بتوفير الدعم المالي، قد تجد هذه الدول نفسها غير قادرة على معالجة تحديات مثل الجفاف والفيضانات وارتفاع مستويات البحر.
في قمة المناخ "COP27" تم الاتفاق على إنشاء صندوق للخسائر والأضرار، الذي يهدف إلى توفير تعويضات للدول الأكثر تضررًا من التغير المناخي. لكن عدم التزام الولايات المتحدة بتقديم مساهماتها المالية قد يضع هذا الصندوق في موقف هش، ويؤثر سلبًا على قدرة الدول المتضررة على الحصول على الدعم المطلوب، مما يفاقم من معاناتها.
التأثير على التعاون الدولي والمشاركة العالمية:
من الناحية السياسية، يرسل انسحاب الولايات المتحدة رسالة سلبية لبقية العالم، خاصة بالنسبة للدول الكبرى مثل الصين والهند، التي قد ترى في خطوة الولايات المتحدة تراجعًا عن التعاون الدولي في مجال المناخ. هذا الانسحاب قد يعزز فكرة " العزوف عن العمل المناخي"، مما يدفع الدول الأخرى نحو تقليص مشاركاتها في الاتفاقيات البيئية، وبالتالي يعقد جهود التنسيق العالمي في مواجهة التغير المناخي.
كما أن هذا الانسحاب يضعف الثقة في الالتزامات العالمية، ما قد يؤدي إلى تفشي حالة من "اللامبالاة" بشأن السياسات البيئية، ويزيد من الصعوبات التي تواجهها الدول النامية في الحصول على التقنيات النظيفة والمساعدة الفنية.
خلاصة الكلام إن قرار انسحاب إدارة ترامب من اتفاق باريس يشكل تهديدًا جسيمًا للعمل المناخي العالمي، خاصة في ظل تزايد الضغوط البيئية والاقتصادية. التأثيرات المباشرة ستكون كبيرة على قدرة المجتمع الدولي على الوفاء بالأهداف المناخية، وعلى تحقيق العدالة المناخية لدول الجنوب التي تحتاج إلى الدعم الأكبر في هذه المرحلة. في الوقت نفسه، يشكل هذا القرار اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة المجتمع الدولي على مواجهة التحديات المناخية، وما إذا كانت الدول الكبرى ستتمكن من تعويض غياب القيادة الأمريكية وإيجاد حلول مبتكرة للتعاون المشترك في المستقبل.