الشباب أمانة في أعناق الجامعات
د. محمد القضاة
13-08-2007 03:00 AM
تحرص الرسالة الملكية على مستقبل شباب الأردن وتتطلع إلى عطائهم وعزيمتهم لبناء الوطن على قاعدة الانتماء والهوية الوطنية والإنتاج والتنوع وترسيخ ثقافة شبابية ترتكز إلى مبادئ الثورة العربية والنهضة والحرية ،ولا نبالغ إذا قلنا إن الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة كلها وبدون استثناء عليها مسؤوليات مضاعفة؛ لأنها عقل الأمة وضميرها وساعدها ضد الجهل والتخلف والوهم فضلاً عن دورها في تربية الإنسان وإذكاء المواطنة الصالحة في نفسه، وإيقاظ الوعي الحضاري لديه، وهذا لا يتم بعيداً عن حاجات الأردن لمثل هذا الفهم العميق لرسالة الجامعة إذ أن من مهماتها إعداد المواطن وتهذيب أخلاق الشباب وتنمية شخصياتهم، وليس بالعلم وحده يبنى المواطن، وانما لابد من صفات وأخلاق وقيم ومعايير واضحة يتم ترسيخها في عقول الشباب الذين هم عدة الوطن ومستقبله.
ولبيان أهمية هذه الفئة العمرية دعنا نقف عند أهم ملامح المشكلات التي يعانيها شبابنا الجامعي والتي كتبها لي طلبتي في الجامعة الأردنية وعبروا فيها عن امتعاضهم من موضوع المشاجرات والمشكلات التي يعانيها طلبة الجامعات من الجنسين، ولا يعقل أن نحمل الطلبة الجزء الأكبر من المشكلة وندفن نحن رؤوسنا ونقول عليهم أن يستوعبوا الموضوع وحدهم ، وهذا لا يمكن القبول به ، لأنهم يحتاجون إلى توجيه ورعاية واهتمام وتقدير ، يحتاجون إلى غيرهم كما يحتاجون إلى أنفسهم بالمعيار نفسه ولذلك ألخص ما ورد في آرائهم وأفكارهم لعلها تكون دافعاً لأبنائنا الطلبة أن يعوا دورهم وواجبهم تجاه أنفسهم ووطنهم وجامعاتهم وخصوصـاً أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، بهـذه الآيـة الكريمـة يبيـن التشريع الإلهي أهمية الشباب بأنهم كنز هذه الدنيا ومصدر عطائها ، ومن هذا المنطلق يحثنا ديننا الحنيف على الاهتمام بالشباب وإتاحة الفرص المناسبة لهم للإبداع ومحاولة إبعادهم قدر المستطاع عن كل أسباب التخلف والانحراف ؛ و الفراغ أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الشباب عن طريقهم الصحيح و الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، حكمة قيلت منذ زمن بعيد ، فإذا لم يعرف الشباب كيف يستغلون وقتهم وما هي الطرق الصحيحة لذلك فقد يؤدي ذلك إلى لجوئهم لطرق أخرى سلبية قد تكون سبباً رئيساً في هدم النواة الأولى في المجتمع ، لذلك فان وقت الفراغ من أخطر المشكلات التي يعانيها الشباب لأنه منطلق للمشكلات الأخرى التي تقودهم إلى الهلاك ، وأبسط مثال على ذلك الشباب الذين يملئون أوقات فراغهم باللهو والعبث ويبحثون دائماً عن أساليب جديدة سلبية لكي يقضوا أوقاتهم كالقيادة بشكل متهور (التشحيط) وإزعاج المارة والإدمان على الإنترنت وغيرها الكثير . ويجب علينا أولاً أن نحل مشكلة الفراغ عن طريق مراقبتهم وتوعيتهم من خلال وسائل الإعلام المختلفة وتقديم البدائل المناسبة للقضاء على وقت فراغهم بالمطالعة والعمل التطوعي والانخراط في الأعمال الإيجابية التي ترفع من سويتهم وفكرهم وإنسانيتهم وانتمائهم لوطنهم ودينهم .
إن الأنشطة الضارة التي يقدم عليها الطالب الجامعي خلال أوقات فراغه قد تلحق الضرر به وبغيره وذلك من خلال المشاركة في تعاطي المخدرات ولعب الميسر وارتكاب الأفعال غير التربوية وارتكاب الجرائم من مثل السرقة والنهب والاحتيال والتطرف والعنف والشغب في الجامعات والطرقات ، ولكن كيف نتغلب على الفراغ القاتل ؟ كيف نجعل الفراغ شغلاً ؟ ... في دراسة أجريت في (12) دولة أسفرت النتائج التالية : يقضي (40%) من الشباب وقتهم في مشاهدة برامج التلفاز ، ويقضي الشباب ما يقرب (90) دقيقة على الأقل في مشاهدة هذه البرامج يومياً ، ويقضي الصبية ما يقرب (30) دقيقة على الأقل في مشاهدة برامج التلفاز ، وتقضي المرأة ما يقرب من(7) ساعات تقريباً في مشاهدة برامج التلفاز يومياً وخاصة في فصل الشتاء ، و(60%) من وقت الفراغ يمضي في الاستماع للتسجيلات الصوتية ، (0.40%) من وقت الفراغ يمضي في قراءة الكتب.ولعل نظرة متأنية وعميقة فاحصة في هذه النتائج تقودنا إلى ضرورة وضع برامج زمنية لتنظيم ساعات الفراغ التي غالباً ما تبقى فارغة لسوء ما تستغل به ،وهذا لا يعني أن لا نشغل بعض أوقات فراغنا بشيء من الترويح عن النفس وتجديد النشاط ،ولكن في الجانب الآخر لا بد من التركيز والانتباه حول مدى جدوى هذه الأوقات التي نحظى بها ولربما لا نشعر بأهمية هذه الأوقات الا بعد فوات الأوان .
والأجدر بالشاب أن ينظم وقته ويوزع مهامه ويبذل جهده في سبيل إنقاذ ما يستطيع إنقاذه من وقت يتدارك فيه ما فاته من دروس ومهام وواجبات وإلا فاته قطار العلم السريع الذي لا يصعده إلا من هو أهل له ، ومن هنا ندعوه إلى أن يملأ وقته حتى يجد متسعاً من الوقت لأداء التزاماته تجاه أسرته وأقاربه ومجتمعه ولا بد أن يكون لديه نوع من التنظيم الواعي والتدبير الجيد ليعيش حياة متزنة لا يضطر فيها إلى العمل السريع غير المتقن الذي يؤدي إلى الفشل غالباً .وليس غريباً أن يحثنا ديننا الحنيف على حسن استغلال الفراغ لما له من آثار اجتماعية وبدنية واقتصادية وتربوية ويظهر ذلك جلياً في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل بفيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه ).
ولا يتوقف الامر عند الفراغ وانما يتعداه إلى المخدرات مرض العصر وآفته الخطيره التي تؤدي إلى ظهور العديد من الآثار السلبية على الإنسان والمجتمع ككل، فالأعراض التي تظهر تؤدي إلى ضمور بالمخ والجهاز العصبي ، وتسبب تشوهات دائمة وفقدان للتوازن ، وتهدم مقدرات العقل وتضعف التفكير ، وغالباً ما ينتهي أمر مستخدمها إما للموت بجرعة زائدة أو يصاب بمرض فضلا عن تسببها الدمار للأسرة ، وهناك العديد من الآثار السيئة الأخرى المترتبة على تعاطي المخدرات والعقاقير المخدرة ، وهذه الظاهرة لم تكن بخطورة ما أشار إليه أحد النواب في ندوة داخل الجامعة حين أشار إلى أن نسبتهم تتجاوز (40%) من طلبة الجامعات الاردنية، وهذا رقم مبالغ به جداً،وهو رقم خرافي، وتؤكد الجهات الأمنية المختصة بمكافحة المخدرات في الأردن إن الأردن ليس من البلدان التي استوطنتها هذه المادة الشيطانية ، وأنه بالنظر إلى جغرافيته وموقعه بين الدول المنتجة للمخدرات والبلدان المستهلكة لها ، اضافة إلى كونه منطقة عبور "ترانزيت" فان شيئاً من هذه المادة المهربة يتم تسريبها إلى الأرض الأردنية وكانت دراسة حديثة لدائرة المخدرات التابعة لمديرية الأمن العام في الأردن قد أظهرت تزايد قضايا المخدرات في الأردن ، حيث بلغ عدد القضايا المضبوطة في الفترة ما بين عـام 1990- 1995 إلى (1317) قضية ، في حين ارتفعت في عام 2001 لتصل إلى (4019) قضية ، وكانت إدارة مكافحة المخدرات قد ضبطت منذ مطلع العام2006 حتى منتصف شهر يوليو من العام نفسه (679) قضية حيازة وتعاطي،وهذا الرقم على مستوى الاردن فمن اين جاءت نسبة الاربعين بالمئة بين طلبة الجامعات؟؟ ومشكلة تعاطي المخدرات في الأردن على الرغم من تزايدها لا تصل إلى حد الخطورة التي تعاني منها المجتمعات الأخرى ، ويعود السبب إلى أن جذور مشكلة المخدرات غير موجودة في الأردن ، والمقصود هنا زراعة وتصنيع المواد المخدرة .
وحتى لا يقع الشباب في فخ الإرهاب والإرهابيين لابد من النظر إلى هذه الفئة العمرية نظرة صائبة في وقت أصبحت فيه بحراً هادراً تتقاذف أمواجه البشر وصارت الحياة كفاح ونضال ومشقة وراحت المشكلات تثقل كاهل الشباب وتضع أمامهم حواجز لا تعد ولا تحصى ومن ذلك الفقر والبطالة والفراغ واللامسؤولية اضافة الى التدخين والمخدرات والعلاقات الأسرية المتشنجة ووجود بعض الارهابيين الذين يرغبون بتجنيد الشباب لفعل الارهاب .لقد أصبح الارهاب أحد أبرز سمات القرن الجديد وأحد المشكلات وأكبرها؛ إذ أرقت الأجهزة الأمنية في كل دول العالم والشعوب ، ورغم أن زمن التحيز لدين أو مذهب أو لفكر معين قد ولى بعيداً والعالم الحديث يزعم أنه ديمقراطي ويتفهم أفكار غيره ومبادئه إلا أن الواقع شيء آخر فقد حمل البعض على عاتقهم نشر رسالة غريبة لا هدف لها سوى سفك دماء الأبرياء .
وفي غمرة الأحداث المتلاحقة والصراع بين قوى الخير والشر راح المجرمون يستغلون مشكلات الشباب وضعفهم ليجندونهم في حروب لا أساس لها ويستخدمون الأساليب المختلفة فيرغبونهم بالمال والجاه والسيادة والجنة وغيرها ، ويسقط بعض الشباب غير الواعي فشاركوهم أعمالهم وكانت النتيجة تفشي هذه الظاهرة وبهذا نجحت الدول الكبرى في نقل بؤرة الحرب من ديارها إلى الديار العربية والإسلامية وجعلت المسلمين يسفكون دماء بعضهم بعضا ، والمسلم لا يحل دمه إلا لثلاثة أسباب هي : النفس بالنفس والمرتد عن الدين والزاني الثيب ، وسعت ليخسر المسلمون دنياهم وآخرتهم ومن يقتل مسلماً وهو متعمد فلا يدخل الجنة .
وعليه فالمطلوب من الشباب أن يقفوا طويلاً ويتأملون أوضاعهم ويخلعون ثياب الجهل واللامبالاة ويبتعدون عن كل المؤثرات السلبية ويضعون حدا لمن يصطادهم بأية مغريات بأن حكوماتهم لم تنجح في القضاء على الفقر والبطالة وكأنها مشكلات بسيطة ، ويطلق الألقاب والشتائم على بني البشر ويكفرهم ويدخلهم جهنم ويتوعدونهم بالعذاب وكأن الأمر بيده ، من أجل كل ما هو جميل من أجل كل ما هو غال وعزيز من أجل أن يقف اقتصاد بلادنا على قدميه ، من أجل هذا على الشباب أن يقفوا صفاً واحداً ويمسكون بأيدي بعضهم بعضا ليمضوا قدماً لا يتعثرون بمن يزرع القنابل والأشواك والدماء في طريقهم ،دعونا لا نعط فرصة للحاقدين أن يعيقوا مسيرة عالمنا العربي الإسلامي ليتقدمونهم ، لأن الله أكبر منهم ومن أعوانهم .
وأريد أن أقول إن الطالب الجامعي يحتاج الى ثقافة الحوار ، الحوار الحر المسؤول الذي يسمح للطالب أن يبدي رأيه بأريحية وحرية ، لا يحتاج الى قمع رأيه، وكأنه يتحمل مسؤولية كل ما يجري في أروقة الجامعة ، يحتاج الى عقول مفتوحة وصدور واسعة تتحمل رأيه حتى لو كان قاسياً ، وإلا كيف سنبني جيلاً واعياً قادراً على تحمل المسؤولية ، يحتاج الى ثقافة شمولية ليس في الندوات والورش المتخصصة التي تعالج قضاياه وحسب إنما يحتاج الى ثقافة حوارية داخل غرفة المحاضرة ، مع أساتذته وزملائه وأقرانه ، يحتاج الى فكر أبوي وأسري يشعره بقيمته ووجوده ، يحتاج الى فكر وطني حقيقي يغرز في نفسه حب الوطن ويشعره أنه من نسيج هذا الوطن وأرضه ، يحتاج الى رؤية واضحة من شؤون الطلبة الذين يتعاملون معه بحيث لا تقصيه وترفض أنشطته وأفكاره ، يحتاج الى عاملين يعرفون قيمة الحوار ويدركون أهمية استقطابه وتنمية إبداعه ، ولا يحتاج ان يطرد ويقريع وعدم احترامه ، ولا كيف سيتعامل مع جامعته وزملائه ومجتمعه ووطنه .اننا أمام مشكلة حقيقية تدب في جامعاتنا وتستشري بين طلابنا وتحتاج منا دراستها كظاهرة بدأت تظهر بفعل عوامل متعددة تمتاز بالشدة والقسوة والتمرد على الواقع وتخطي حدود العرف الجامعي والتعدي على القيم الجامعية والأخلاقية والحياد عن الفطرة الإنسانية الراقية التي تستدعي استخدام العنف وتهديد الآخرين وإلحاق الأذى اللفظي أو البدني والأضرار المادية والمعنوية ببعض الطلبة والمؤسسة الجامعية.
وتعد مرحلة الشباب أخطر المراحل العمرية وأهمها ، لأنها مرحلة البناء والإنتاج والعطاء والزهو والعنفوان والقوة ويمتلك فيها الشاب نشاطاً وحيوية وحماسة قد تجعله مهيئاً للقيام بما يكلف به ، ولذلك ، يرتبط العنف بصفة خاصة بهذه المرحلة وسواء أكانت دوافعه وأسبابه داخلية محلية أم خارجية فانه ينال من مقدرات المجتمع الجامعي والمجتمع عامة ويعيق تقدمه والضحية هذه الفئة التي يغرر بها بفعل عوامل متشابكة يعاني منها الشباب وتحول دون تحقيق أهدافهم ورغباتهم وحاجاتهم أو إثبات ذاتهم ، وأشكال العنف التي تنتابهم كثيرة منها البسيط الذي لا يتجاوز غضب الآخر ، ومنها الشديد الذي يصل الى محاولة إيذاء حياة الآخر ، وعليه لا بد من التعرف على ماهية هذه الظاهرة ودلالاتها والكشف عن طبيعتها في الاتجاهات الفكرية المعاصرة ورصد أسبابها والوقوف على أبعادها واستكشاف آثارها المترتبة على انتشارها في جامعاتنا وبالتالي استشراف أسس المنظومة التربوية وركائزها وملامحها للتصدي لهذه الظاهرة وتلمس مسارات علاجها ، وأهم عوامل النهوض بهذه الفئة العمل على فتح نوافذ الحوار المتمدن ونشر ثقافة الحوار التي تتطلب من الشباب أن يتخلوا عن المراهنة والخوف واعلان آرائهم وتربيتهم على الجرأة في قول الحق دون الحاجة الى التملق والمديح المنافق واستيعاب الآخر واحترام رأيه وحقوقه وتفعيل البحث عن الموضوعية بعيداً عن الأنانية والذاتية عن طريق تقييم الحوار والاعتراف بوجود الآخر المختلف واحترام حقه في الدفاع عن رأيه وموقفه ، وفهم الآخر والتفاهم معه لا يتحققان دون أن تتسع ذواتنا وأنفسنا له ، والحقيقة ليست في الأنا وإنما تتكامل مع الآخر ، لأن الحوار مع الآخر هو الذي يكشف ذاتنا وحقيقتنا ، وهذا يتفق مع قول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر : " الآخر هو وسيط بيني وبين نفسي ، وهو مفتاح لفهم ذاتي والإحساس بوجودي "،ولذلك على الشاب الجامعي الذي يعتد بذاته ونفسه أن يعترف بزميله ويسمع رأيه حتى نحقق قدراً بسيطاً من ثقافة الحوار ،وثقافة الحوار لا تتم من طرف واحد ولا تنطلق من ثقافة سطحية وقشور غير ناضجة،وإنما تحتاج الى ندوات وقراءات ومحاضرات ثقافية تعقد للشباب بين حين وآخر لكي يتعود الشباب على حوار علمي مبني على معلومات صحيحة وسليمة، وهذا يتطلب استغلال أوقات فراغ الشباب في القراءة والمطالعة بجد وتعب ومعرفة وعلم وصبر وخصوصاً أن الشاب يندفع ويتسرع في اتخاذ رأيه وموقفه دون أن يدرك أنه يحتاج الى تأمل وتأن وطول بال .وثقافة الحوار تتطلب من الطرف الآخر الذي يحاور الشباب أن لا يكون واعظاً على منبر بمقدار ما يكون صديقاً سميراً صادقاً في طروحاته وأفكاره بحيث يستطيع تقريب المسافات وردم الهوة مع هذا الجيل لاستيعابه وتثقيفه وتعليمه أسلوب الحوار الحضاري المتمدن الراقي. والطالب الجامعي أصبح مسؤولية وطنية حقيقية لابد أن ترعاها مؤسسات الوطن وتبحث له عن وسائل صائبة لاعادة التوازن الى فكره ونفسه وروحه ، وسائل تبحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه الفوضى التي تشجع الشجار وتدفع بالمجتمع الطلابي الى العصبية الضيقة،وهذا يحتاج الى ثقافة عقلانية تقوم على الحوار والوعي والرقي وان هذه المرحلة العمرية من اهم مراحل الحياة ولا بد ان تكون مثمرة وناضجة تؤهل الطالب للحياة العملية وتدفع به الى الامام.فهل ندرك جميعا طلبة واساتذة ومجتمع اهمية ثقافة الحوار في بناء الاردن الحديث الذي يرغب به سيد البلاد ويشدد عليه بين حين واخر.
إن المتأمل في المسيرة الأكاديمية لجامعتنا الاردنية يراها مسيرة تقوم على الحوار الهادف وخدمة الطلاب أكاديميا ومنهجياً، وحين نتأمل ما قامت به في الأعوام الأخيرة من إنجازات ومشاريع يدرك أنها ما عادت تقبل السكون أو الركود أو الأمر الواقع، وتعرف أنها يجب أن تتقدم للمجتمع لا أن يتقدم إليها، والهدف الأسمى الجسم الطلابي كله، لكي يشعروا بالثقة والاعتزاز بجامعتهم، وثقة الطلبة بجامعاتهم تبدأ من الأجواء الأكاديمية الحقيقية التي يمارسها الطلبة مع أساتذتهم داخل غرفة المحاضرة حواراً ونقاشاً ومناظرة، ولا يمكن أن تهتز هذه الثقة إذا قامت على الاحترام المتبادل وعلى تقدير قيمة كل واحد في طرفي المعادلة.
وتواصل الجامعة حواراتها مع الطلبة، استكمالا لما بدأه جلالة الملك عبد الله الثاني لتحسين النظرة إلى شباب الأردن ، لأنهم عدة الأردن ومستقبله، وهم أساس التنمية ومحطة تحتاج إلى جهود حثيثة وحقيقية وموضوعية لبناء نموذجهم وثقافتهم وفكرهم على أسس منطقية تنطلق من الأردن وثوابته وعلى منهج الفعل والحضور وسماع أفكارهم وآراءهم بعيداً عن الاتهامية وأنهم جيل لا يقرؤون، ولا يكترثون بشيء، و هذا لا يصب في تنمية قدراتهم و لا يشكل نهجاً صحيحاً في استقطابهم، هذه الأفكار حاضرة في عقل الجامعة ولا يوجد أي قطع بين الطلبة والجامعة, والطلبة وأساتذتهم, وهم لا يعيشون في جزر معزولة عن بعضهم بعضا, ولذلك، حين نسمع لطلبة في المحاضرات يطرحون أسئلتهم بمنتهى الجدية علينا أن ندرك أنهم يملكون أفكارا ومعلومات هم بحاجة إلى رفدها وتعزيزها وتأطيرها ضمن منظورات بنيوية تصب في مصلحتهم ومصلحة وطنهم
وحرية الطالب أن يطرح رأيه ضمن قواعد الاحترام والمسؤولية, لا ضمن قواعد اللعبة السياسية الخارجية, وحين تتوقف عند بعض الآراء التي تطرح هنا وهناك نرى أن بعضها لا يعرف ماذا يجري داخل الحرم الجامعي، ولا تعرف منظومة العمل الطلابي, ولا تدري أن رياحا ملونة هي التي تحرك هذا الاتجاه أو ذاك, وهؤلاء باتوا يتبنون آراء قد لا ترغب ببناء الأردن والمحافظة على جامعاته التي تمثل سمعة طيبة للأردن، فهل نصغي لتلك الأصوات النظرية أم لا بد أن ندخل الحرم الجامعي لمعرفة تفصيلاته وألوانه وأطيافه, والآن دعني اسأل الذين ينقدون عمادات شؤون الطلبة ما هو دور عمادة شؤون الطلبة في الجامعة ؟ هل هو دور تجميلي مكمل للعملية الأكاديمية أم انه دور حقيقي يخدم الجسم الطالبي ؟ هل شؤون الطلبة مغفر امني كما يعتقد بعض السائلين أم انه مركز يعج بالحياة والأنشطة اللامنهجية؟ وهل تمنع شؤون الطلبة الطالب من التعبير عن رأيه وفكره داخل الحرم الجامعي؟ عمادات شؤون الطلبة وجدت لرعاية الطلبة والمحافظة عليهم من أنفسهم ومن غيرهم، لفض منازعاتهم ومشاجراتهم، وهل يعتقد الحالمون أن مجتمعا جامعيا واحدا فيه أكثر من ثلاثين ألف طالب يمكن أن يكون في سوية واحدة، وهل يمكن أن يكون مدينة فاضلة حتى يترك بدون رقابة ومسألة، وهل يقبل هؤلاء أن ينزلق هذا المجتمع الكبير خلف الشعارات البراقة ويترك للأطياف الخارجية أن يتلاعبوا فيه حسب أهواءهم ورغباتهم, أم لا بد من تنسيق لتحقيق الهدف الأسمى الذي جاء إليه الطلبة التعليم والتعلم والبحث عن الحقيقة, لقد مر المجتمع الطلابي بالكثير من المشكلات التي كان يشارك فيها أعداد كبيرة من الطلبة, وكان لا بد من وضع حد لهذا الاستهتار كي يشعر الطالب بالأمان ويذهب لمحاضرته بحرية واريحية،وفي الختام نقول إن الجامعة ماضية في دورها التنويري والأكاديمي, وهي تنفذ برامجها لخدمة الوطن والإنسان الأردني, ولا يمكن للجامعة تجاوز دورها الحقيقي، ومن لا يقوم بواجبه تجاه نفسه وجامعته ووطنه يبقى رهين الفكر المستلب الذي لا يقدم ولا يؤخر ، ولا نريد لطلبتنا أن يكونوا خارج الإبداع والتميز والابتكار ، نريدهم في صلب الحدث الأكاديمي بناء وعطاء وانتمـاء ، نريدهم قادة فكر وشباباً لا يهابون المبادرة في حقول تخصصاتهم ، نريدهم حملة رسالة الجامعة التي قادت الوطن الى الأمام وفتحت الآفاق الرحبة لكل أبناء الوطن حتى أصبحت تجربتها على كل لسان ، نريدهم في المستوى الذي يرغب به المجتمع والأستاذ والجامعة ، نريدهم باحثين عن الحقيقة مهما كانت صعبة ، لأنها الوسيلة الأولى لإثبات ذات الطالب ، والحقيقة العلمية تقوم على الشك العلمي والموضوعية والرغبة والصدق والصبر ، وتحتاج الى جهد ووقت والطالب الجاد لا وقت لديه لغير بحثه ومحاضراته وواجباته ، ولا نبالغ إذا قلنا إن في الجامعة طلبة يشار إليهم بالتزامهم بالأعراف الجامعية الأكاديمية ويرفعون الرأس عالياً لإبداعهم وتميزهم وحضورهم العلمي البهي ، وهذه صورة حقيقية لكثير من الطلبة ومثل هؤلاء لا يشار اليهم مع الأسف في الخطاب الاعلامي إلا نادراً ، وهم أساس الخطاب الأكاديمي وعنوانه وبدونهم لا يستقيم الخطاب ، والوسيلة الثانية التي تثبت ذات الطالب وشخصية حضوره داخل الحاضرة وقدرته على تقديم نفسه ومحاورته على قاعدة معرفية وعلمية واضحة بعيداً عن مصادرة رأيه وفكرته ، وهذه الوسيلة ناجعة في تخفيف الاحتقان مهما كان مصدره وشكله ولونـه ، والطالب من حقه أن يبني شخصيته وأن يعيش عصره وأن يطرح فكره في عالم منفتح لا يعترف بالتقوقع والانغـلاق ، وهذه مسؤوليـة الزملاء في فتح أبـواب الحوار العلمي والأكاديمي على قاعدة أن الطالب خامة جديدة تحتاج إلى ضخ معرفي يحتاجه اليوم وفي المستقبل ، وإذا كنا لا نقبل لأولادنا أن تطنش أفكارهم فكيف نقبل على أنفسنا مع طالبنا الجامعي ، والطالب إذا فتحت له العقل والقلب تراه يبدع ويحب العلم والمعرفة ، لكن إذا كان العكس قد يلجأ للتعويض ، وهذا ما لا نرغبه في صورة الطالب الذي يعوض العلم بالسب والمشاجرة ، أما الوسيلة الثالثة فهي الأنشطة اللامنهجية ، وعمادات شؤون الطلبة في جامعاتنا عليها مسؤولية زيادة جرعة الأنشطة والانتقال بها إلى الحرم الجامعي كله كي يشعر الطالب أنه في صلب الاهتمام ، والوسيلة الأخرى تقع على الأساتذة ومسؤولياتهم لا تقل عن مسؤولية الطالب نفسه ، إذ لابد من وضع الطالب في آخر المستجدات العلمية في مجال تخصصه ، وهذا لا يتأتى بالإشارة ، وإنما لابد أن يكلف الطالب في كل محاضرة بإنجاز شيء في مجال محاضرته وتخصصه وخصوصاً أن وسائل المعرفة أمام الطالب وتعطيه القدرة على تحقيق المطلوب في وقت قياسي ، وصورة الطالب الجامعي على مدار عمر الجامعة الأردنية كانت مثار إعجاب وتقدير ، وها هم الخريجون منها ينتشرون داخل الأردن وخارجه ويسطرون نجاحات عز نظيرها في جامعات عربية وعالمية وخصوصاً إذا عرفنا أن أكثر من (500) خريج من كلية الطب في الجامعة الأردنية يعملون في أرقى مستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية؛ فضلاَ عن الآلاف في العالم والعالم العربي.
mohamadq2002@ yahoo.com