أنهت لجنة الحوار، تقريباً، اجتماعاتها الرسمية، وأغلب أعمالها، بانتظار التدقيق في الصياغات الفنية واللغوية، والتأكّد من رصانة التقرير النهائي الذي يشتمل على وثيقة مرجعية للإصلاح السياسي، قانون أحزاب وقانون انتخاب.
وبالرغم من أنّ المخرجات، بالضرورة، لن ترضي الطموح الإصلاحي الوطني، وهي تمثّل فقط الحدّ الأدنى الذي يمكن أن نبني عليه لاحقاً، ونطوّر اللعبة السياسية على قاعدته، بخاصة ما يتعلق برفع نسبة القائمة الوطنية، إلاّ أنّ العدل يقتضي القول بأهمية خروج أعضاء اللجنة من ألوان متعددة ومتباينة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بوصفة توافقية على أجندة الإصلاح السياسي ومساره المفترض، وهو إنجاز يجعل من السهولة علينا تجميع الناس حوله.
هنا، تحديداً، تقتضي الإشارة الضرورية والتنبيه إلى أنّ مخرجات اللجنة لا تقتصر على مسودتي قانوني الأحزاب والانتخاب. بل أزعم أنّ "الوثيقة المرجعية للإصلاح السياسي" (الديباجة) أهم من ذلك بكثير، لأنّها تعرّف وتحدّد الأسس والمبادئ التي يجب أن يسير عليها الإصلاح، وطبيعة الإجراءات المطلوبة للوصول إلى ذلك، وأبرز ما فيها: سيادة القانون ودولة المواطنة؛ الفصل بين المربع الأمني والسياسي بتحديد دور الأجهزة الأمنية بصورة حاسمة وقطعية وواقعية ضمن عملها المهني فقط، بعيداً عن الحياة العامة والسياسية مطلقاً، مما يعني إطلاق الحريات العامة وتمكين حقوق الإنسان، وغيرها من قيم أساسية، كالعدالة الاجتماعية، باعتبارها شرطاً بنيوياً لتكافؤ الفرص؛ بناء منظومة النزاهة والشفافية في محارية الفساد؛ سحب الجنسيات أو منحها فقط بقرار من مجلس الوزراء؛ التعليم كشرط أساسي للتنمية والتمكين البشري؛ حرية الإعلام مقدسة وتمكين حق الحصول على المعلومة.. إلخ.
الآن، نعود -مرةً أخرى- إلى سؤال المليون، على حد تعبير الزميل جميل النمري، ويتمثّل في المسار الذي ستمر به مخرجات اللجنة، وصولاً إلى إقرارها خلال مدّة قياسية، كما تشي الرسائل الرسمية المختلفة. وما هو متوقع أن يتم تسليم أعمال اللجنة خلال الأسبوع المقبل لجلالة الملك، بحضور رئيس الوزراء، وبعدها ستكون المخرجات في عهدة "مطبخ القرار".
فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية، وتحديداً تعزيز دور البرلمان واستقلاليته، فإنّ المسار واضح وهو أن تذهب للجنة التعديلات الدستورية، وفيما نعلم أنّها ستأخذ بها ضمن حزمة أكبر من التعديلات.
أمّا مسودتا قانوني الأحزاب والانتخاب، فأغلب الظن أنّهما ستذهبان إلى القناة الحكومية، لبلورة الصياغة، ومن ثم لمجلس الأمة، وهو ما يقلق البعض من مسألتين: الأولى هي الوقت الطويل الذي يمكن أن يأخذه هذا المسار، مع الأخذ بعين الاعتبار "طول بال" رئيس الوزراء. والمسألة الثانية هي "الغربلة" التي قد تتعرّض لها هذه المخرجات، من القناة الحكومية والبرلمانية، في ظل عدم "رضا" جهات رسمية متعددة عن هذه المخرجات.
لا يمكن الحسم تماماً بمآلات المخرجات عملياً. لكن إن أردت أن أتحدث بصدق فيما إذا كنت متفائلاً بتطبيقها جميعاً؟ فإنّ الجواب هو: لا.
لماذا؟.. لأنني إلى الآن (وأتمنى أن أكون مخطئاً) لا أشعر بأنّ هنالك اتفاقاً على المضي بإصلاحات حقيقية جوهرية لتطوير المعادلة السياسية، بل هنالك رهانات مختلفة ومتعددة، وذلك يدفع إلى الحدّ أو التعطيل أو "فرملة" أي سياسات وتشريعات محرّكة بهذا الاتجاه.
أخيراً؛ فإنّ مخرجات لجنة الحوار لن تكون مفيدة، إذا تمت المماطلة فيها أو سبقها الحراك الجديد في المحافظات، لأنّ "الحسابات" بعد ذلك ستنقلب تماماً!.
(الغد)