توفيق كريشان .. للكبار فقط!
طارق الخوالده آل خطاب
09-11-2024 02:52 PM
لم يستطع منع الغضب الذي واجهته حكومة الرئيس عدنان بدران صيف عام 2005، رغم انه ينتمي جغرافياً الى "منطقة الغضب" فيد واحدة لا تصفق، او هكذا حاول البعض وصف الحالة التي مثلها توفيق كريشان في الحكومة التي تسلم فيها حقيبة البلديات، قبل ان تخضع لعملية "تعديل" قسرية.
ليست المرة الاولى التي يتسلم فيها حقيبة وزارية، ولكنها ربما تكون الاكثر إثارة في تاريخه السياسي وهو يتنقل في اكثر من موقع مسؤول في العقدين الاخيرين.
الوظيفة الرسمية منعت الوزير كريشان من لقاء اصدقائه في نادي خريجي جامعة بيروت العربية، ولعب "الورق" وتدخين الارجيلة في اجواء بعيدة عن تقاليد البروتوكول الصارمة، وهو النادي الذي ترأس هيئته الادارية لاكثر من دورة، ومع ذلك كان الرجل يجد بعض وقته الفائض ليلتحق ليلاً باصدقائه الذين لم يقطع معهم خيوط الاتصال.
معاني، يعرف اسرار صالونات العاصمة السياسية، وصار جزءاً من محركاتها، خاصة وهو يحمل ملف "معان" ساعياً باستمرار للحصول على بعض المكاسب، او رفع بعض الغبن عن مدينة ما تزال تقدم نفسها على انها حارسة الحلم الجنوبي لوطن يفتح بوابات وعيه على الشمس.
توفيق كريشان، النائب الذي احتفظ بلقب معالي، ظل ينأى بنفسه عن الخصومات الصغيرة ، ويحاول بوعي مسبق تجاوز حدود دائرة الخدمات الضيقة ، الى دائرة المشاركة في رسم القرار السياسي المتعلق بحجم الوطن ودوره ، لكن قدرته على تنفيذ رؤيته تبقى رهنا بتجاذبات الجغرافيا والمصالح والعلاقات المتداخلة.
معان التي تنتصب في جنوب الجنوب تتميز عن غيرها من المدن والحواضر ، بان لها تاريخاً مكتوباً بلغة الخطاب الرسمي ، وتاريخاً شفوياً يتناقله ابناء المدينة وعشاقها على امتداد مساحة الوطن ، وتوفيق كريشان مثل غيره من ابناء المدينة يعرف التاريخين جيداً ، ويعرف ان معان ، شقيقة الروح ، لن تغادر منصة الوعد الذي قطعته على نفسها ، منذ عقدت تحالفها مع الشمس والحرية.
في حكومة الدكتور بدران ، قبل ان يطالها التعديل ، لعب توفيق كريشان دوراً "تصالحياً" مع الاطراف التي وضعت العصي امام عجلة الرئيس ، ليحافظ على دوره "الوسطي" في تجميع الاطراف المتقاطعة ، وإطفاء النيران التي اشتعلت في محيط الدوار الرابع.
ابو عبد الله رجل معاني لم تسرقه اغراءات العاصمة وصالوناتها السياسية ، وظلت خطوط اتصاله مفتوحة مع الاطراف كلها ، فالرجل قادر على استيعاب المتغيرات ، لكنه متمسك بما يعتقد انها ثوابت ومرتكزات لا تخضع لرياح التغيير.
ارتبط اسم توفيق كريشان بمدينة معان ، المدينة الاكثر اثارة للاسئلة الحادة في الاردن ، ومع ذلك استطاع الرجل ان يحافظ على "شعرة معاوية" التي لم تنقطع تماماً بين معان وعمان ، اللتين تشتركان في حروف اسميهما.
ابو عبد الله يختفي مؤقتاً عن واجهة المشهد السياسي ليعود اليه ثانية ، دون ان يخسر مواقفه وتحالفاته وطبيعة علاقاته المتشابكة.
يعرف خطاب المعارضة ، مثلما يعرف ابجدية الخطاب الرسمي بحكم مواقعه المتعددة ، لكن الرجل لم يشهر عداءه للرأي الآخر ، وظلت علاقته طيبة مع الجميع ، ربما بتأثير الجغرافيا السياسية التي تمثلها مدينته معان.
مثلما يتوقع توفيق كريشان ، يتوقع اصدقاؤه ايضاً ان يتم اختياره في اي لحظة لموقع سياسي ، فوسطية الرجل وقلة عدد خصومه تجعلان منه مرشحاً دائماً في ذهن اصحاب القرار في عمان.
ابو عبد الله المولود في معان في الثامن من شباط 1947 درس المحاسبة وإدارة الاعمال في جامعة بيروت العربية ، ايام كانت بيروت مدينة مفتوحة على كل الاتجاهات ، لذلك فانه قادر على تقديم "حسبة" موضوعية في ظاهرة الفقر والجوع والبطالة التي يعاني منها المجتمع الاردني.
وبالاضافة لحكومة الدكتور بدران فقد شارك توفيق كريشان في حكومتي الدكتور عبد السلام المجالي الاولى والثانية ، وحكومة الدكتور فايز الطراونة ، وقد عرف جيدا تفاصيل العمل في وزارة البلديات.
فاز في انتخابات البرلمان الثاني عشر من محافظة معان ، كما اختير عضوا في مجلس الاعيان ، الا انه استقال منه ليلتحق بموقعه الوزاري.
لو سئل ابو عبد الله عن علاقته بايام الاسبوع ، لأجاب دون تردد انه يحب يوم الثلاثاء ، ليس لانه يقع في وسط الاسبوع ، بل لاسباب اخرى تمتد عميقا في ذاكرة الطفل المعاني.
قراره بخوض انتخابات البرلمان الخامس عشر عن محافظة معان في خريف 2007 ، وفوزه المريح الذي جاء به الى "العبدلي" اعاد اسم ابي عبد الله وصورته الى الاضواء ، من خلال نافذة السلطة التشريعية قبل ان يدخل مجددا الى عضوية مجلس الاعيان ومن ثم وزيرأ للشؤون البرلمانيه في حكومة سمير الرفاعي ومن ثم نائبا لرئيس الوزراء في حكومة معروف البخيت وعضوأ في مجلس الاعيان ومن ثم وزيرأ لاادرة المحليه ونائبا لرئيس الوزراء في حكومة بشر الخصاونه وعاد بعدها عضوأ في مجلس الاعيان و في ظروف صعبة ودقيقة عصفت في المملكة وتمكنت من تجاوزها وكان الباشا كريشان المخلص المنتمي المتحلي بالشجاعة. باختصار..الباشا كريشان الذي يجسد حقيقة الكبار الاوفياء المخلصين والذيم ما بدلوا عن محبة هذا الوطن تبديلا