التحوّل من مرونة المدن إلى صلابتها
صالح سليم الحموري
09-11-2024 01:26 PM
في عالم اليوم، باتت المدن تمثل شريان الحياة للمجتمعات البشرية، حيث يزداد تركيز السكان في المناطق الحضرية بوتيرة متسارعة. ومع تفاقم التحديات التي تواجه المدن، مثل الازدحامات المرورية، التوسع العمراني السريع، تدفقات الهجرة من المدن الأخرى، الأزمات الصحية، والتغير المناخي، والضغوط الاقتصادية، تبرز الحاجة الملحّة إلى بناء مدن تمتلك القدرة على مواجهة الصدمات والتكيف بفعالية مع المتغيرات المستجدة. تاريخيًا، كان التركيز ينصب على مفهوم مرونة المدن كحل أمثل للتعامل مع هذه التحديات. ولكن، هل يمكن للمرونة وحدها أن تكفل استمرارية المدن وازدهارها؟ أم أن الوقت قد حان لاعتماد نهج أكثر صلابة يضمن بقاء المدن متماسكة في وجه الأزمات الكبرى؟مرونة المدن تشير إلى قدرتها على التكيف بسرعة مع التغيرات والتعافي من الصدمات مثل الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصادية. إنها تعتمد على قدرة المدينة على التكيف مع الظروف المتغيرة والاستجابة بفعالية لتلك التحديات. في المقابل، تركز صلابة المدن على قدرة المدن على مقاومة التحديات وتحمل الصدمات دون الحاجة إلى تغييرات جوهرية. الصلابة تتطلب تخطيطًا متينًا وبنية تحتية قوية تستطيع مواجهة الأزمات دون أن تتأثر بشكل كبير.
التحول نحو "صلابة المدن" يعني بناء أنظمة تعتمد على تقنيات مبتكرة وهياكل مقاومة للصدمات، مثل أنظمة الطاقة المستدامة، البنية التحتية الذكية، وخطط الطوارئ المتكاملة. مثال على ذلك هو مدينة طوكيو في اليابان، التي تُعد من أبرز الأمثلة العالمية على صلابة المدن في مواجهة الكوارث الطبيعية، حيث تتميز بتخطيط عمراني متقدم مصمم خصيصًا لمقاومة الزلازل. وكذلك أمستردام في هولندا، التي طورت نظام صرف مائي متقدم لحمايتها من ارتفاع منسوب المياه.
التحقيق في صلابة المدن يتطلب نهجًا شاملاً يبدأ بالتخطيط الاستراتيجي. على المدن أن تتبنى خططًا طويلة الأمد تراعي التغيرات البيئية والاجتماعية المستقبلية لضمان استعدادها لمواجهة التحديات الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب البنية التحتية المستدامة دورًا محوريًا في تعزيز الصلابة، حيث تعتمد المشاريع على الطاقة المتجددة وتكون قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية، مما يساهم في تقليل الأثر البيئي وضمان استدامة المدينة.
من ناحية أخرى، تعتبر التكنولوجيا الذكية عاملًا رئيسيًا في تعزيز قدرة المدن على التعامل مع الأزمات. من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات إنترنت الأشياء، يمكن للمدن رصد الأزمات فور حدوثها وإدارتها بكفاءة. التكنولوجيا تساعد في اتخاذ قرارات سريعة استنادًا إلى البيانات الفورية، مما يقلل من تأثير الأزمات ويعزز الاستجابة الفورية.
دبي تقدم نموذجًا مثاليًا لهذا المزج بين الصلابة والمرونة. خلال جائحة كوفيد-19، تمكنت دبي من مواجهة التحديات من خلال بنية تحتية صحية قوية واستجابات تقنية متقدمة، مثل تطبيقات تتبع المرضى. كما أن المدينة تعتمد على مشاريع مستدامة مثل مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، الذي يسهم في تقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية ويعزز قدرة المدينة على التكيف مع التغيرات المناخية.
ومؤخرًا، أعلنت دبي عن أكبر مشروع للصرف الصحي وتجميع مياه الأمطار، وهو خطوة متقدمة نحو تعزيز البنية التحتية المستدامة للمدينة.
يهدف المشروع إلى تحسين نظام الصرف الصحي وزيادة القدرة على إدارة مياه الأمطار بفعالية، مما يسهم في حماية المدينة من الفيضانات ويعزز من قدرتها على مواجهة تحديات التغيرات المناخية.
في ظل هذه التحديات العالمية المستمرة، يبقى السؤال: هل يجب التركيز على المرونة أم الصلابة؟ من الواضح أن الحل يكمن في الجمع بين الاثنين، بحيث تكون المدن قادرة على التكيف بسرعة مع الأزمات، ولكنها في الوقت نفسه تتمتع بصلابة كافية تمكنها من الاستمرار دون أن تتأثر بشكل كبير. بهذا النهج، يمكن للمدن أن تتطلع إلى مستقبل مستدام يضمن استمراريتها وتطورها بغض النظر عن التحديات التي تواجهها.
* خبير التدريب والتطوير.. كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية