رغم الحذر الشديد الذي استقبل به العالم فوز المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، والتوجس الدولي من سياساته ومواقفه القادمة، التي ستتأثر بها كل أصقاع المعمورة من شرقها إلى غربها، إلا أن وصول الرئيس المثير للجدل سدة الحكم من جديد في عاصمة صنع القرار العالمي قد يحمل فرصا إذا ما أحسن العالم فهم مكنونات شخصيته ومحفزاتها وصولا لمفاتيحها ومداخلها، ما يتطلب قدرا عاليا من البصيرة والحنكة والدهاء. وهذا بيت القصيد.
نحن أمام شخصية براغماتية تؤمن بأن الوصول إلى أي هدف، كبر أم صغر، سياسيا كان أم اقتصاديا أم غير ذلك، لا يتأتى إلا عبر عقد الصفقات من خلال التفاوض المباشر، وصولا إلى توافق ثم اتفاق يكون هو عرابه والمستفيد الأول منه بطريقة أو أخرى. فهو بطبعه لا يعترف ولا يقبل بالهزيمة في أي شأن من شؤون حياته، بل يحب أن يلعب دوما دور البطل في عيون من حوله. ولذلك فقد قدم نفسه، مثلا، وخلال حملته الانتخابية، على أنه المنقذ القادر على إنهاء حروب ومآسي العالم.
وهذا يقودنا إلى حقيقة ثانية، وهي أننا نتعامل مع شخص يتحدث ويتصرف بصراحة مطلقة ومفاجئة عما يدور في نفسه في كثير من الأحيان، حتى وإن اتهمه البعض بتجاوز الأعراف الدبلوماسية المتوقعة من قادة العالم. فهو لا يحب الحلول الرمادية، وتعد اللغة المباشرة الصادمة أحد أسس شخصيته، حتى وإن أدى ذلك إلى انتقاده من قبل الإعلام وحتى نظرائه من القادة.
ترامب، باعتباره من الشخصيات المعتدة بنفسها إلى حد يفوق التصور، مغرم بالاستعراض وكيل المديح له باعتباره حقا طبيعيا من وجهة نظره، وهذه من أهم المفاتيح للتعامل معه وإحداث الفرق في توجهاته. لذلك نراه يطرب لمن يمجده في وسائل الإعلام، ويرى في المناصرين لفكره أشخاصا مميزين يستحقون ثقته. ولنا في الملياردير إيلون ماسك مثالا.
هو ممن يتقنون فن التواصل الاجتماعي والشعبوي، خصوصا مع عوام الناس، ونراه يبني علاقاته ببساطة، إلى حد إقناع البسطاء بأنه النصير المخلص لهم، وقد يراه البعض ممثلا بارعا في ذلك.
تلعب عوامل المال والمكسب دورا مهما في التأثير بقرارات ترامب، لذلك فهو يرى دوما الحق لبلاده في جني الأموال من الدول الأخرى تحت ذرائع عديدة، أهمها أنها قادرة على قيادة العالم وتوفير الحماية للحلفاء، معتمدا في كل ذلك على مبدأ "أميركا أولا".
يهتم ترامب بظهوره الإعلامي، مولعا بتقديم نفسه على أنه صاحب فكر يحمل حلولا للمعضلات، ولذلك فهو ممن يقدرون عاليا من يأتي إليه بأفكار تتماشى مع معتقداته، ليقوم بتحويلها إلى أفعال يكون هو بطلها في عيون الناس والعالم. لذا، فالاستباقية في التعامل معه، ولكن ضمن محددات منظومته الفكرية، قد تؤدي بأصحابها إلى تحقيق منجزات يكون ترامب هو أول من يدافع ببسالة عنها.
وبما أنه ممن يفتخرون بمن حوله، باعتبارهم امتدادا له، ولا يخفي ذلك، فإن أحد مفاتيح شخصيته يكمن في التأثير في هذه الدائرة، والقادرة، سرا وعلنا، على إقناعه وتوجيه سلوكه.
لن يكون ترامب بالسوء الذي يخشاه البعض، خصوصا أنه يعلم يقينا أنها السنوات الأربع الأخيرة له في البيت الأبيض، وسيسعى لبناء إرثه، الذي يود من خلاله تحقيق حلمه الأكبر: وهو النظر إليه عبر التاريخ باعتباره أعظم رئيس للولايات المتحدة، وهذا ما قد يكون المفتاح الأساس لكسب وده ودعمه للآخرين وقضاياهم.
"الغد"