لماذا يُصر ترامب على إنهاء الحروب .. لا مجرد إيقافها؟
محمود الدباس - ابو الليث
07-11-2024 12:39 PM
منذ أن برز اسم دونالد ترامب في المشهد السياسي الأمريكي.. لم يكن مجرد مرشح تقليدي يلهث وراء وعود انتخابية عابرة.. بل شخصية اقتصادية بمقاييس حادة.. يتحدث بلغة المصالح.. ويملك قدرة غير عادية على استثمار الأزمات.. وإعادة صياغة التحالفات بما يخدم رؤاه.. ورغم اختلافاته عن أسلافه في النهج.. إلا أن مواقفه لا تنفصل عن تاريخ طويل.. من الدعم الأمريكي غير المشروط للكيان الإسرائيلي.. ودوره الحاسم في الصراعات الإقليمية والدولية.. وخاصة تلك التي تحمل أبعاداً جيوسياسية معقدة.. كالحرب في أوكرانيا.. والصراع في غزة ولبنان..
ولعل حديث ترامب المتكرر.. عن قدرته على إنهاء هذه الحروب فور عودته للبيت الأبيض.. يشير إلى رغبة جامحة للعودة إلى سدة الحكم.. ولكن بأسلوبه الخاص.. أسلوب يعتمد على الحسم.. بدلاً من التهدئة.. فهو يدرك تماماً أن إنهاء الحرب بالنسبة له.. ليس مجرد "وقف إطلاق نار".. بل فرض حلول حاسمة.. من منطلق القوة والنفوذ.. وترامب هو ذاك الرجل.. الذي قدم للكيان الإسرائيلي ما لم يقدمه أي رئيس أمريكي سابق.. من الاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان.. ونقل السفارة إليها.. إلى الاعتراف بسيادة الكيان الإسرائيلي على الجولان.. إلى طرح رؤيته حول "صفقة القرن".. والتي تجاهلت بشكل شبه كامل المطالب الفلسطينية..
ترامب إذن.. ليس غريباً عن دعم الكيان الإسرائيلي.. وليس بعيداً عن التلاعب بتوازنات القوى في المنطقة.. وتصريحاته المتكررة حول "إنهاء الحروب" تعكس أسلوبه المعتاد في تحويل الحروب إلى صفقات.. فبدلاً من السعي إلى إيجاد حلول عادلة وشاملة.. قد يسعى لإضعاف المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. وخلق واقع عسكري.. يدفع الأطراف المتضررة للجلوس على طاولة المفاوضات.. تحت ضغوط لا يمكنها تحملها.. في ظل بنية تحتية مدمرة.. وموارد مستنزفة.. ليتم بعدها فرض الشروط الإسرائيلية كأمر واقع.. حلول كهذه.. لن تكون على حساب الكيان الإسرائيلي.. بل ستأتي على حساب الشعوب المتضررة.. وتخلق حالة دائمة من الخضوع والتبعية..
أما في أوكرانيا.. فلا يخفى على أحد العلاقة الخاصة.. التي تجمع ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. فترامب لا يخفي إعجابه بروسيا كرائدة في منطق القوة.. وله نظرة واقعية تجاه الصراع في أوكرانيا.. إذ يرى أن استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا.. ليس من مصلحة بلاده الاقتصادية.. وفي حال عودته للبيت الأبيض.. من المتوقع أن يسعى لفرض تسوية على أوكرانيا.. تضمن الاستقرار في أوروبا.. دون الحاجة لاستنزاف الاقتصاد الأمريكي.. وقد يعني ذلك.. قبول الأمر الواقع.. بضم روسيا للمناطق التي سيطرت عليها.. وفرض هذا كحل دولي معترف به.. وفي النهاية.. أوكرانيا هي من سيدفع ثمن هذه التسوية.. وليس روسيا ولا أمريكا..
لكن وراء هذا السرد.. تكمن نقطة خطيرة.. فترامب لا يخاطب الشعوب بقدر ما يخاطب العقلية الأمريكية.. التي تسعى لتحقيق مصالحها بأي وسيلة.. إن حروبه وأزماته.. ليست سوى مراحل عابرة في لعبة المصالح الكبرى.. والكلمات التي يستخدمها.. كـ "إنهاء الحروب".. ليست أكثر من شعارات لطمأنة الداخل الأمريكي.. بينما تُهيئ الخارج لتقبّل واقع جديد.. مبني على القوة والتحكم..
على أصحاب الفكر أن يدركوا.. أن السياسي حين يقول "إنهاء الحرب".. لا يقصد بالضرورة بناء السلام بالفهوم السائد.. فالكلمات تتجمل بسهولة.. لتخفي النوايا الحقيقية.. والفهم العميق لتلك المصطلحات.. يكشف عن نية لإعادة رسم الخرائط.. وفقاً لأجندات محددة.. فليس كل من يَعِد بإنهاء الحرب.. ينوي حقاً تحقيق العدالة..