عودة ترامب: تهديد للمنطقة العربية أم فرصة للتحالفات؟
عمر ضمرة
06-11-2024 09:48 PM
في مشهد يعج بالتوتر والتوجس، أثار إعلان فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية ردود فعل متباينة في الأوساط العربية، خصوصًا في الأردن.
وبينما عبرت أقلية عن ترحيبها بعودته، مستندين في ذلك إلى كرههم لإدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، وعدم اتخاذه أي خطوات جادة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية ولبنان، وانهاء دوامة العنف بالمنطقة، عبر حلول سلمية. في حين نجد أن الأغلبية واجهت الخبر بمزيج من القلق والاستياء، مستذكرين سياساته السابقة التي زرعت الشكوك وخيبت آمال الكثيرين في المنطقة. لم ينس الأردنيون مواقف ترامب المتشددة تجاه المصالح العربية خلال ولايته الأولى، وخصوصًا ما يتعلق بقضية القدس. ففي عام 2017، خطا خطوة جريئة بإعلانه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، متحديًا القرارات الدولية ومتجاهلاً الموقف الأردني الحساس الذي يمتلك وصاية خاصة على المقدسات الإسلامية والمسيحية هناك. هذا القرار تسبب بموجة غضب عارمة، ليس فقط في الأردن، بل في العالمين العربي والإسلامي، وأثار حفيظة كل من يرى في القدس رمزًا دينيًا وسياسيًا لا يقبل التفريط. ومن بين السياسات التي خلقت انقسامًا كبيرًا أيضًا، كانت "صفقة القرن" التي اعتبرها العديد من الأردنيين بمثابة كابوس يعيد طرح فكرة "الوطن البديل". فقد سعى ترامب، عبر هذه الخطة، إلى توطين الفلسطينيين في الأردن ومصر، مما أثار قلقًا شعبيًا واسعًا في الأردن، حيث يخشى المواطنون من تبعات هذه الخطة على التركيبة السكانية والنسيج الاجتماعي للأردن. كما اعتبرها كثيرون تحايلاً على حقوق الفلسطينيين التاريخية وحقهم في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة. وفي سياق آخر، لم يكن الأردن وحده من شعر بوطأة سياسات ترامب، حيث أثارت تصريحاته بشأن السعودية ودول الخليج استياءً واسعًا. فقد وجهت اتهامات لترامب بابتزاز المملكة العربية السعودية عبر صفقات سلاح تجاوزت قيمتها 400 مليار دولار، متعللًا بأن على الدول الغنية في المنطقة "دفع ثمن" الحماية الأمريكية.
وقد أثار قرار ترامب بإنهاء الاتفاق النووي مع إيران عام 2018 قلقًا واسعًا، حيث أعاد إلى الواجهة مخاوف من اندلاع توترات إقليمية، بدا واضحًا أنها أثرت على استقرار المنطقة بأكملها. بالنسبة للأردن والدول المجاورة، كان لهذا القرار تأثير عميق، حيث أدى إلى تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران، ما دفع بعض الدول العربية إلى اتخاذ خطوات لتعزيز أمنها الوطني وسط تصاعد المخاوف من تأثير هذه السياسة على المنطقة. كما سعى ترامب خلال ولايته إلى دفع دول عربية نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ونجح في تحقيق ذلك مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم العربي انقسامًا حادًا حول عودة ترامب، يبقى السؤال حول كيفية تعامل المنطقة العربية مع هذا الواقع الجديد، وهل ستواصل الدول العربية السير بحذر تجاه إدارته، أم أن هناك من يرى في هذه العودة فرصة لإعادة التفاوض على أساس أكثر وضوحًا؟ بالنسبة للأردن فانه يجد نفسه أمام تحديات جديدة وقديمة، تتطلب استجابة جريئة واستراتيجيات دفاعية تعزز من مكانة الدولة وموقفها في مواجهة السياسات التي تهدد الاستقرار الإقليمي. فقد بات واضحًا أن الحكومة الأردنية بحاجة إلى التعاون مع أطياف المعارضة لتشكيل جبهة سياسية متماسكة قادرة على الوقوف بصلابة أمام أي تهديدات تستهدف القضية الفلسطينية، وحقوق الشعبين الأردني والفلسطيني. إن توحيد الصف الداخلي، والتمسك بالثوابت الأردنية، تحت راية الرافضين لما يعرف بـ "الوطن البديل"، يشكل خطوة استراتيجية لمواجهة أي محاولات لفرض حلول غير عادلة تتجاهل تطلعات الشعب الفلسطيني.
ولكي يتمكن الأردن من مواجهة أي ضغوطات دولية محتملة، فلا بد من توطيد الجبهة الداخلية عبر تبني قرارات اقتصادية جريئة، إذ يعول الأردنيون على رؤية اقتصادية شاملة ترفع من إنتاجية الوطن وتعزز الاعتماد على الذات، لتقليص الاعتماد على المساعدات الدولية التي قد تكون ورقة ضغط في يد من لا ينظر للأردن سوى كجزء من معادلة نفوذ.
إن هذه الخطوات ليست مجرد رد فعل على السياسة الأمريكية، بل هي دعائم تضع الأردن في موقع قوة، وتجعل منه نموذجًا في مواجهة الضغوطات الخارجية بحكمة وثبات. يقف الأردن أمام تحديات كبيرة تستدعي استراتيجيات دفاعية واقتصادية واضحة، وتستند إلى رؤية وطنية شاملة تلبي طموحات الشعب، وتؤسس لاستقرار حقيقي يقف في وجه أي ضغوط تسعى لتغيير معالم المنطقة أو هضم حقوق الشعوب فيها.
السؤال الأبرز في هذا السياق هو: هل سيواصل ترامب نفس النهج السياسي الصارم تجاه الأردن والمنطقة أم سيعدل مساره؟.