الفايز يكتب: إلى متى يبقى التسول برعاية رسمية؟
26-05-2011 12:46 PM
عمون - كتب فايز الفايز - يسألني كثيرٌ من الناس، لماذا لم تعد تكتب هذه الأيام؟!.. البعض يطلق "قفشات" أن خطبتي خطفتني من الشارع، وأبعدتني عن الهمّ العام، فكيف ذاك والهمّ العام ساكن وليس بمسكون لنخرج منه متى نشاء، آخرون يظنون أن شمس الحرية تخبو في لحظة ما، ولكن للأسف وهذا ما يزعج الجبناء، أن شمس الحرية لا تغيب ولن تغيب في قلوب ضياغم الصحراء الذين نذروا أنفسهم للكرم والكرامة والإيثار والشهامة حتى ولو كان بهم خصاصة.
أحمد الله على ما أنا عليه، ظننت أن حروفي ينابيع لا تنضب خدمة للناس ووطنهم، وضّيقت عليها لغاية في نفسي، علني أنثر الزهر والدحنون في وجه عيد الاستقلال الخامس والستين، ولكنني أرى أن المناسبة أكبر من أكتب فيها وأنا الصغير في نادي الكبار الكبار !، والبدوي في مستعمرة المدنيين الجدد، والصحراوي في نادي أصدقاء جزر الكناري وماربيا وسردينيا والعذراء، والفقير في نادي رواد البلاك جاك .
كنت قد نذرت صوماً عن الكتابة فيما سبق من الأيام لأن المشهد موبوء، والرجال تتصاغر، والكل يكذب على الكل، و بعد أن رأينا كيف استبُدلت العشائر الأردنية الكريمة وحصادها من الشباب الواعي المثقف الذي يطفق الآفاق بحثاً عن فرص الحياة بحرية وكرامة، استبدُلت برَبع "الكياموتورز والهيونداي" وهم من رعايا البنوك وحملات "ادفع 500 دينار وقسّط سيارتك لخمس سنوات"، وكيف يجولون شوارع العاصمة شارعاً وحارة وزنقة بشكل مستفز للبصر، وبتصرفات غوغائية مستفزّة، ثم يشكون لك في آخر زنقة يخرجون منها أنهم "مزنوقين "في آخر قسط مستحق، إذاً لماذا كل تلك الاستعراضات؟ ألم يكن الأولى في هؤلاء الشباب أن يفكر كيف يصلني حقي وأنا محترم وكريم؟!
اليوم أريد أن أوجّه رسالة الى من يهمه الأمر، عليكم أن تتوقفوا وتوقفوا هذه المهزلة التي تتحملون مسؤوليتها وحدكم، في إظهار شيوخ العشائر ورموز الوطن على أنهم متسولون في كل مناسبة رسمية يصورها التلفزيون المجاور" لمقبرة أم الحيران"، ويبثها على الهواء ليشاهد الملايين، وإظهار كيف هي أزمة الحكم مع الحكومات ومع المسؤولين ومع المواطنين، وكيف تزداد حاجات الناس، وكيف يزداد الجدار علواً بين الحاكم والمحكوم، ليستغل الرعاع وعوام الناس فرصة السلام على الملك ليمطروه بالاستدعاءات والاسترحامات والكلمات غير المفهومة، والحركات التي تليق بممثلي "الكومبارس" في مسلسل وضحة وابن قرفان.
الأساس في حفل استقبال يشرِّفه ملك البلاد، أن يحُسن المسؤولين اختيار الأشخاص الذين يأتون إلى المناسبة بهندامهم الذي يعتادون عليه لا الذي يرتدونه للمناسبة فقط، وأن يخصص الجزء الأول من السلام على الملك لأعضاء السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي، لا أن ينافس "بنشرجي" سفير بريطانيا العظمى مثلاً ويسابقه في مصافحة الملك ثم يعطّل الملك في همهمات ليس لها داع، ثم يستل ورقة ليسلمها للملك، فيأخذها مستشار، ويحيلها لموظف، ليشرح عليها سكرتير الموظف، ثم تذهب في رحلة البحث عن توقيع، فيستقيل الجميع، والبنشرجي ينتظر، وتبقى مركبات الناس مُعطلة في محطته تنتظر أن يشرّف "الشيخ"، محل تصليح البناشر، ليأمر العامل العربي أن يشد حيله .
على هذه المشاهد أن تتوقف، وعلى المسؤولين أن يتحملوا أمانتهم في إيصال مطالب الناس للملك إن لم يملكوا من أمرهم شيئاً ليعالجوا قضايا الناس العامة، ولهذا فإن على الحكومة أن تنتبه لدور المحافظين الذين يحكمون المحافظات، وألا يتم اختيار "شايح ابن رايح" ليكون مسؤولاً أو محافظاً، وهو لا يستطيع أن يحل مشكلة بين أولاده الصغار، من مكاتب المحافظين تبدأ مشاكل الناس، وتتصاعد حتى نشاهدها صدفة في السلام السنوي على الملك، فنصاب بمغص شديد في بطون عقولنا .
نحن كرماء وشرفاء وأهل كرامات في البادية والقرى والمدن والمخيمات، وتلك العباءات المستعارة لا تمثلنا، فمن له حقٌ فليحارب للحصول عليه أو ليبحث عن طريقة تحفظ ماء وجهه فهو حقٌ لكم وليس منّة عليكم، فمن خلق الخلق قسّم الرزق، ومن ظنّ نفسه أنه لغاية في نفسه يستطيع اليوم أن يمنع الناس من الحصول على حقهم، أو أن يحرم موظفاً من الترفيع المستحق، أو الوظيفة المستحقة، فليتذكر كيف كان نكرة يشكو للناس سوء حظه، فلما امتحنه الله بأمانة المسؤولية، إذ به خصيم مبين!
عيد الاستقلال، فرصة جديدة ليفكر المسؤول بالسائل، وليخطط أهل الحكم لمرحلة جديدة، تنظف كل مساوئ الزمن الماضي التي علقت على جدران الدولة الأردنية، حتى خرج الناس الى الشارع، وإذا كان التوانسة وأهل القاهرة وأبناء سورية واليمنيون قد خرجوا الى الشوارع ليطيحوا بالنظام الحاكم، فإن الأردنيين طالما خرجوا يهتفون للنظام والوطن منذ سنين بعيدة، وحينما خرجوا في هذا العام خرجوا لأنهم يريدون أردنهم أفضل وليبقى نظامهم أكثر جمالاً، ولا يأمنّ أحد كرّة الأيام، فما أمنها إلا غافل، وعلى المعنيين أن يقفوا ساعة صمت ليفكروا بعقولهم، قبل أن يفقد الجميع عقولهم، ولتتوقف مراسم التسول برعاية الرسميين، حباً بالله وبهذا الوطن .
Royal430@hotmail.com
فايز الفايز