التوافق الانتخابي : حتى لا تسيطر الهواجس على الطموحات
باتر محمد وردم
26-05-2011 04:25 AM
ما حققته لجنة الحوار الوطني من توافق على نظام مختلط من القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، ونسبة لقائمة مغلقة على مستوى الوطن قد يكون أهم إنجاز سياسي في الأردن منذ العام 1993. هذا التوافق والذي ولد بصعوبة بالغة جاء ليحدث قطيعة حميدة مع كارثة الصوت الواحد التي دمرت البنيان السياسي والاجتماعي في البلاد واضعفت دور ومكانة النائب لمدة طويلة جدا، وهي تشكل لحظة فارقة في التاريخ السياسي الأردني في حال تم تبنيها من قبل الحكومة ومجلس الأمة وتحولت إلى قانون جديد للانتخابات.
ولكن التوافق الجديد سيتعرض لهجوم كاسح، يبدأ منذ اليوم الأول لإعلانه. هذا أمر طبيعي ولا مناص في ذلك لأن القوى السياسية والاجتماعية التي بنت وجودها ومكانتها على نمطية الصوت الواحد سوف تدافع بشراسة عن مكتسباتها وحظوظها وبعدة وسائل إعلامية وربما ايضا بوسائل تحريضية مكشوفة. هنالك ايضا عدة جهات وتيارات اجتماعية سيصيبها نمط القائمة على مستوى الوطن بالكثير من التخوف فهي قفزة نوعية عالية السقف نحو أردن يعتمد على مبدأ المواطنة والمساواة، ومع أن النسبة المقترحة قد تصل إلى 10% فقط من عدد المقاعد فهي تجربة في غاية الأهمية لأنها ستحقق مرحلة انتقالية ما بين التصويت عن طريق الصوت الواحد المخصص للمرشح القريب والصديق والمفيد إلى التصويت لقائمة ذات طروحات وبرامج مختلفة ومتعددة المرشحين وهذا ما سيدعم كثيرا التعددية السياسية والاجدتماعية في التنسيق السياسي.
سنتحمل الكثير من المقالات والتصريحات الناقدة للتوافق الإنتخابي. بعضها سيتهم أعضاء اللجنة بتهم مسيئة وبعضها الآخر سيناقش بروية وعقلانية وعلينا أن نكون جميعنا في غاية المرونة لاستيعاب كافة الآراء والتأكد من حقيقة واحدة وهي أن التوافق يحتاج إلى تنازلات مشتركة ولا يمكن الوصول إلى قانون انتخاب يرضي كافة الأردنيين بمختلف توجهاتهم وطروحاتهم وقناعاتهم وهواجسهم التي تسيطر عليهم أحيانا أكثر من طموحاتهم.
النقلة النوعية لم تتحقق فقط بنمط التصويت بل أيضا في إشراف هيئة قضائية مستقلة على الانتخابات بدلا من وزارة الداخلية ولكن سيكون من المثير جدا معرفة إذا كان 40 ألف موظف رسمي يشرفون على تفاصيل الانتخابات سيقبلون فعليا بأن تكون الهيئة القضائية هي مرجعيتهم في كل لحظة وليس مرؤوسيهم في الحكومة ومؤسسات السلطة المختلفة، وهي تجربة فريدة وغير مسبوقة ومن الصعب أن يتم تنفيذها بمنتهى السلاسة منذ المحاولة الأولى ولكن من المهم تعزيز كافة الفوائد الناجمة عنها.
نتمنى أن يمضي التوافق الانتخابي في قنواته الدستورية بسرعة وهدوء وأن تحظى البلاد بالفرصة المطلوبة لإعادة تصحيح مسار الحياة السياسية من خلال قانون انتخاب حديث ومتميز مسنودا بقانون أحزاب وتعديلات دستورية موائمة وأن تتم عملية الانتخاب في بيئة سياسية واجتماعية غير ضاغطة تتيح الفرصة لحوارات سياسية مسؤولة وبرامج اجتماعية واقتصادية هدافة ومعقولة بعيدا عن التحريض والمناكفة والاتهامية والتخوين وهي خطابات ومقاربات لن تجلب أية فوائد سياسية على طريق الإصلاح.
(الدستور)