قد تكون صدفة أو لا تكون، لكننا حصلنا صبيحة أمس على أجمل عيدية على الإطلاق يمكن إهداؤها في مناسبة وطنية غالية مثل عيد الاستقلال.
أتحدث عن وصول لجنة الحوار الوطني، وفي وقت أقصر من المدى الذي حدد لها، إلى توافق كامل على مشروع قانون الانتخاب البديل. والحقيقة أنني لم أكن في البداية على هذه الدرجة من التفاؤل بأن تنهي اللجنة مهمتها بسلام، فضلا عن أن تخرج بأرقى وأفضل الصيغ الممكنة لقانون الانتخاب.
لكن هذا ما حدث فعلا. ففي وقت قياسي فعلت اللجنة ذلك. ومن باب ردّ الفضل لأصحابه، نشير أولا إلى الدفعة المعنوية القويّة التي أعطاها جلالة الملك للجنة، إذ دعا أعضاءها إلى اجتماع معه، و"دق" على صدره قائلا للمتشككين بجدوى عمل اللجنة "بضمانتي"، فأنهى الانقسام وأعطى دفعة معنوية قوية للأعضاء، إذ شعروا وتأكدوا أنهم أمام مهمّة تاريخية جدّية لا يستطيعون خذلان البلد فيها. وكان هذا الهاجس حاضرا دوما، ولعب دورا حاسما في توجيههم للوصول إلى نتيجة إيجابية.
ونشير ثانيا إلى رئيس اللجنة دولة الأستاذ طاهر المصري؛ فقد لعب دورا رائعا، ولا أتخيل من دونه مصير اللجنة التي بدأت مثل أهل بابل. فقد كانت هناك بلبلبة فظيعة في الأفكار واللغة وحتّى المصطلحات التي لم تكن تعني الشيء نفسه في ذهن كل واحد. وقد بدا لوهلة أن اللجنة تدور حول نفسها بلا مخرج، لكن القيادة اللينة والصبورة والحكيمة للمصري التي جنبت الصدام، كانت مثل قفاز حريري يبطن قبضة فولاذية تدفع الجميع بلا مهرب إلى نقطة التوافق والإجماع. وتعاون إيجابيا بروح المسؤولية العالية رؤساء اللجان الفرعية وجميع الأعضاء.
طبعا ما نزال نتحدث عن مقترح، فاللجنة ذات طابع استشاري، مهمتها بلورة مقترح للجهات المسؤولة عن القرار، أي الحكومة والبرلمان. وأنا لا أتفق مع مقولة تهميش مجلس النواب بوجود اللجنة. فالقوانين تأتي أصلا من الحكومة، والحكومة بسبب خصوصية القانون الأهم في الحياة السياسية أرادت أن تقدم صيغة تقوم على مشاورات وتوافق سياسي وطني واللجنة التي مثلت كل التلاوين السياسية الوطنية، وأخذت من وقتهم مجّانا لهذا العمل الجليل. وكنت في حينه اقترحت أن تقوم الحكومة مباشرة بمحاورة كل الأطراف وبلورة القانون، لكن أستطيع أن أتخيل كم من الوقت كان على الوزراء استنزافه في الحوار قبل الإقدام على اجتهاد قد يكون أعرجَ يثير عاصفة من الاعتراضات، هذا بينما نحن الآن أمام مقترح توافقي تحقق بالحوار ثم بالإجماع الحرّ لجميع التلاوين.
الحوار المستفيض في المجتمع حول المشروع سيكون بذاته جزءا من عملية التنمية السياسية وتكيف القوى الاجتماعية والسياسية مع مقتضياته. ولست واثقا أن الوقت كاف لعرضه على الدورة الاستثنائية الوشيكة لمجلس النواب، فهناك مباشرة الكثير من القوانين المستعجلة التي يجب إنجازها في وقت قصير لا يتيح التفرغ لمناقشة المشروع وهضمه والتصويت عليه.
(الغد)