طرقاتنا تروي قصصاً مأساوية
د. أشرف الراعي
05-11-2024 12:52 PM
تروي طرقاتنا قصصاً مأساوية لا تنفك تتكرر؛ إذ باتت "حوادث السير" المرعبة ظاهرة تؤرق المجتمع الأردني، فلا يكاد يمرّ يوم دون سماع أنباء عن حوادث "مميتة" تودي بحياة العشرات أو تترك وراءها إصابات بليغة وعاهات دائمة.. وهذا التزايد الكبير للحوادث في شوارعنا وطرقاتنا يلقي بظلاله المأساوية على جوانب الحياة في المجتمع من آثار نفسية واجتماعية متعددة، وصولاً إلى التبعات الاقتصادية المرهقة على الأسر والدولة على حد سواء.
وبالطبع، تُعتبر القيادة الطائشة والتهوّر من الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع حوادث السير، حيث ينتشر الاستهتار بقوانين المرور بشكل مقلق، خصوصاً بين فئة الشباب الذين يتجاهلون العواقب؛ فالكثيرون يقودون بسرعاتٍ جنونية، معتقدين أن مهاراتهم تكفي لتفادي الأخطار، أو غير مدركين أن لحظة واحدة من السهو قد تكون كفيلة بتغيير حياتهم وحياة الآخرين إلى الأبد، فضلاً عن المظاهر الأخرى في عدم الالتزام كعدم الالتزام بإشارات المرور، والتجاوز الخاطئ، واستخدام الهواتف أثناء القيادة، وهي مخاطر لطالما حذر منها الإعلام وحذرت منها الأجهزة المعنية مراراً وتكراراً.
وبالطبع، لا يتحمل السائقون وحدهم وزر هذه المآسي التي نشاهدها يومياً في شوارعنا، بل تلعب البنية التحتية للطرقات دوراً هاماً في الحدّ من حوادث السير أو تفاقمها؛ فعلى الرغم من الجهود لتحسين الطرق والشوارع، إلا أن هناك العديد من الطرق لا تزال تفتقر إلى معايير السلامة الأساسية، مثل الإضاءة الجيدة، وتخطيطها بشكلٍ آمن، ووضع العلامات التحذيرية بشكلٍ واضح، ويصبح هذا الوضع أكثر خطراً في المناطق النائية والمحافظات؛ لا سيما في ساعات الليل أو أثناء الأحوال الجوية السيئة، مما يجعل قيادة السيارات مغامرة قد تكون مميتة.
كما أن المشكلة الحقيقية تكمن أيضا في ضعف الوعي المروري لدى السائقين؛ فالثقافة المرورية في المملكة تحتاج إلى تعزيز كبير، إذ يعاني المجتمع من نقصٍ واضح في إدراك أهمية الالتزام بقواعد المرور، ويرى البعض أن احترام الإشارات المرورية أو القيادة بحذر يعد أمراً غير ضروري، فضلاً عن أن هناك ضعف في برامج التوعية والإرشاد، والتي يجب أن تبدأ من سنٍّ مبكرة في المدارس والجماعات وتستمر طوال حياة الفرد من خلال حملات التوعوية ونشر الإعلانات العامة لإرساء ثقافة مرورية حقيقية.
وحتى لا نطيل في سرد الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحوادث ونقترح الحلول مباشرة؛ فلا بد اليوم لمواجهة هذا التحدي من تطبيق نهج شامل يتضمن مجموعة من الإجراءات التي تساهم في الحد من حوادث السير وتعزيز السلامة على الطرق، ومنها؛ تشديد الرقابة القانونية؛ إذ يجب تطبيق العقوبات الصارمة بحق المخالفين لا سيما في حالات السرعة الزائدة والاستهتار بالقوانين، وتطوير الطرق وتحديثها بما يتوافق مع المعايير الدولية، وتوفير إضاءة جيدة وعلامات تحذيرية واضحة، خاصة في المناطق الريفية والنائية، مع إطلاق حملات توعوية شاملة تستهدف جميع فئات المجتمع، وتعمل على نشر ثقافة القيادة الآمنة، بدءا من المدارس ووصولا إلى البالغين، لتعزيز وعي الأفراد بأهمية الالتزام بقواعد المرور.
كما يمكن أن تسهم التكنولوجيا بشكل كبير في تقليل الحوادث من خلال استخدام كاميرات مراقبة السرعة وأنظمة الرصد الذكية التي تساعد في رصد المخالفات فور حدوثها وتوفير التوجيه الفوري للسائقين، كذلك تقديم برامج دعم نفسي للمصابين وأسرهم، وتقديم المساعدة النفسية للأشخاص الذين فقدوا أحبائهم في حوادث سير، لأن الأثر النفسي يحتاج إلى عناية ورعاية خاصة، وإلقاء الضوء على هذه الحالات إعلامياً يمكن أن يزيد من تأثيرها في الوعي العام.
إن حوادث السير في الأردن ليست مجرد أرقام تتغير على صفحات التقارير السنوية، بل هي قصص حقيقية لجراح إنسانية ومأساة يومية تُلقي بظلالها على حياة كل فرد في المجتمع، بحيث تتطلب تضافر جهود كافة الأطراف المعنية، من الحكومة والمؤسسات التعليمية وصولا إلى الأفراد؛ إذ علينا جميعا أن نتذكر أن السلامة على الطرق ليست مسؤولية فردية، بل واجب وطني مشترك يحتاج إلى وعي جماعي وتضامن من الجميع للحفاظ على الأرواح والممتلكات لنجعل من طرقاتنا أماكن آمنة.