الحموري يكتب: كيف تنجح أو تفشل المؤسسات؟
صالح سليم الحموري
05-11-2024 12:21 PM
في ظل التحديات الراهنة في عالم المؤسسات والأعمال الخاصة والعامة، يبرز سؤال جوهري حول نجاح أو فشل المؤسسات، مشابه للتساؤلات العميقة التي طرحها الدكتور يوسف منصور حول نجاح أو فشل الأمم. فكما تؤثر العوامل المؤسسية على ازدهار الدول، يعتمد نجاح المؤسسات بشكل أساسي على هيكلها التنظيمي وبيئتها الداخلية والخارجية والأنظمة التي تحكمها، بالإضافة إلى قدرتها على الرشاقة، والاستشراف، والابتكار، والتكيف مع التحديات المتغيرة.
مؤخرًا، حصل الاقتصاديون "دارون أشيموغلو" و"سايمون جونسون" و"جيمس روبنسون" على جائزة نوبل في الاقتصاد عن دراساتهم التي تناولت "أثر المؤسسات في تنمية الدول"، حيث أكدوا أن المؤسسات التي تخلق حوافز إيجابية وتوفر بيئة تنموية مزدهرة هي التي تحقق النجاح وتدعم الاستدامة على المدى البعيد، بينما المؤسسات التي تفشل في توفير هذه البيئة تنتهي إلى الانهيار، ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد والمجتمع. من هنا، يصبح جليًا أن دور المؤسسات يمتد إلى أكثر من مجرد كيان اقتصادي، ليشمل التأثير المباشر في استدامة المجتمع.
تعتبر "الشفافية" عنصراً أساسياً لنجاح المؤسسات، حيث إن المؤسسات التي تعتمد على أنظمة مساءلة واضحة ومبادئ توجيهية تشجع "الثقة" و"المشاركة" تحقق بيئة عمل صحية. عندما يشعر الأفراد بثقتهم بمؤسساتهم، يكونون أكثر استعدادًا للتفاعل الإيجابي وتحقيق الأهداف المؤسسية.
من ناحية أخرى، يتطلب "الابتكار" و"التجديد" المستمر وبشكل استباقي لمواجهة التحديات المتزايدة في العالم الجديد، إذ أن المؤسسات الناجحة تسعى لاستكشاف أفكار جديدة وتبني "التقنيات المزعزعة" التي تزيد من كفاءتها وانتاجيتها، مما يجعل الابتكار أفقًا واسعًا يعزز من قدرة المؤسسة على النمو ويكسبها مرونة وريادة تنافسية.
ويأتي دور "الحوكمة الرشيدة" كركيزة للنجاح المؤسسي، حيث تضع معايير تنظيمية تعزز سير العمل بكفاءة وعدالة، وتساعد في إدارة الموارد بشكل فعّال وتقليل الهدر. المؤسسات التي تتبنى حوكمة سليمة تستفيد من نظم تضمن الامتثال وتزيد من كفاءة الأداء.
هناك تحديات قد تقود إلى "فشل المؤسسات"، مثل غياب الهيكل السليم، نقص الحوافز، والتجاهل للتجديد والابتكار وعدم استشراف المستقبل. المؤسسات التي تعاني من الروتين، وتفتقر للشفافية، والحوكمة الجيدة، تجد صعوبة في التكيف مع التغيرات وتفقد قدرتها على النمو. ويبرز الفساد كأحد أهم أسباب انهيار المؤسسات، حيث يؤدي إلى انعدام الثقة بين الموظفين والمتعاملين ويقلل من فرص النمو.
تلعب القيادة الفعالة دورًا كبيرًا في توجيه المؤسسة نحو النجاح، حيث تصبح الرؤية الواضحة والقيادة الحكيمة والملهمة ضرورية لتوجيه المؤسسة نحو تحقيق أهدافها. في المقابل، تؤدي القيادة غير الفعالة إلى ضعف الأداء المؤسسي وتفاقم التحديات.
من تجربتنا في تقييم المؤسسات وتقديم الاستشارات والتدريب، نجد أن المؤسسات التي تفتقر إلى "الرشاقة" في العمل واستشراف المستقبل ومواكبة التغيرات تواجه صعوبات جمة في التكيف مع التحولات التكنولوجية والاجتماعية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفككها وفقدانها لمكانتها في السوق.
لكي تنجح المؤسسات، يجب أن تنظر إلى دورها المجتمعي وأثرها الإيجابي في حياة الناس "المسؤولية المجتمعية"، إذ ليست المؤسسات مجرد كيانات اقتصادية، بل هي أيضاً كيان اجتماعي يسهم في تحسين جودة الحياة، وان المؤسسات التي تلتزم بممارسات شفافة وأخلاقية وتتبنى الاستدامة تكون مصدرًا للثقة والإلهام لدى الأفراد.
في الختام، فإن نجاح المؤسسات يعتمد على وجود "رؤية واستراتيجية"، بالإضافة إلى التزامها بمبادئ الشفافية والابتكار والحوافز التي تدعم النمو والتطور. وكما يعتمد ازدهار الأمم على مؤسسات قوية، فإن نجاح المؤسسات يرتبط بقدرتها على بناء "الثقة" مع المجتمع وتحقيق "استدامة اقتصادية واجتماعية" تكون حافزًا لمستقبل مشرق.
* صالح سليم الحموري/ خبير التدريب والتطوير/ كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية.