ودورد وكتاب الحرب: تلاعب سياسي مكشوف لتبرئة الجلاد وتشويه الضحية
د. هاني الضمور
04-11-2024 01:36 PM
في كتابه "الحرب".. يقدم بوب ودورد سردًا منحازًا ومتلاعبًا، يُظهر بوضوح محاولة صريحة لتبرئة إسرائيل وشيطنة الفلسطينيين، وكأن العالم سيستقبل هذه الأكاذيب المتكررة دون مساءلة. تأتي توقيتات الكتاب بشكل مثير للتساؤل، إذ تصادف الحمى الانتخابية في الولايات المتحدة، حيث يحتدم السباق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ويبدو أن الكتاب يروّج لدعاية مبطنة لصالح جو بايدن ونائبته كامالا هاريس على حساب ترامب.
لم يكتف ودورد بتناول القضايا المحلية فقط، بل استعرض العلاقات الأميركية الروسية، مُظهرًا ترامب كصديق حميم لبوتين، الرئيس “الحساس” الذي لا يتحمل الانتقاد دون الحوار والتفاهم. هذه الصورة توحي وكأن الإدارة الأميركية الحالية تبحث عن دعم المجتمع الدولي عبر تأطير ترامب كمتساهل مع الأنظمة المستبدة، في حين يظهر بايدن وحلفاؤه كحماة القيم الأميركية والديمقراطية.
عند تناول الصراع في غزة، يسعى ودورد إلى تلميع صورة الإدارة الأميركية، مُظهراً إياها كحمامة سلام، بينما يدعي أن قرار إنهاء الحرب بيد نتنياهو وحده. وتزداد هذه التلاعبات وضوحًا عندما ينتقل ودورد إلى تناول الدور العربي في هذا الصراع، مُصورًا الرؤساء العرب وكأنهم المحرضون الأساسيون على حماس، متجاهلًا حقيقة أن صمتهم حيال العدوان الإسرائيلي يعتبره كثيرون أمرًا مخجلاً ومريبًا. بهذه الرواية، يسعى ودورد إلى تبرئة الدور الأميركي وتبرير العدوان الإسرائيلي، متناسيًا حجم العداء الذي يبديه الرؤساء العرب تجاه حماس وبعض الحركات الإسلامية الأخرى.
وفي ضوء هذا السرد، يتساءل القارئ: لماذا يسعى ودورد إلى تصوير بعض الرؤساء العرب كمحرضين على حماس، وكأنهم يسعون للقضاء عليها لأنها مرتبطة بجماعة “الإخوان المسلمين”؟ وهل كان من الأولى بهؤلاء الرؤساء القضاء على الإخوان في بلادهم، إذا كانوا يرونهم تهديدًا حقيقيًا؟ أم أن ودورد يحاول بث الشكوك في نوايا الرؤساء العرب للتغطية على الموقف الأميركي في المنطقة؟ لقد كان من الأجدر أن يُسأل هؤلاء القادة عن سبب بقائهم على علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين في دولهم، إن كانوا يعتبرونها مصدر تهديد، بدلاً من استغلال وجود حماس كذريعة للقضاء على المعارضة.
ويبدو أن ودورد استغل هذه التوقيتات الانتخابية في أميركا ليقدم دعاية غير مباشرة تدعم بايدن وكامالا هاريس، حيث يُظهر هاريس كمن دعت لوقف الحرب بقرار أخلاقي، في محاولة لتحسين صورة الديمقراطيين وإبرازهم كحماة الحقوق والسلام العالمي. في الوقت نفسه، يلمح إلى أن بايدن والإدارة الديمقراطية هم الأقدر على فرض السلام في الشرق الأوسط، متجاهلًا الحقيقة المرة التي تدركها الشعوب العربية بأن الإدارة الأميركية، مهما تغيرت، لا تعمل إلا لخدمة مصالحها، ولا تبالي بثروات العرب ولا شعوبهم ولا استقرارهم.
قد تبدو محاولات ودورد لإعادة صياغة الأحداث، وتصوير دور الإدارة الأميركية كمحب للسلام، جريئة وسطحية في آن معًا، فقد بلغ الكاتب حد المبالغة في تمجيد بايدن وحلفائه، وكأن القارئ العربي لا يعرف تلك التفاصيل المخفية، وكأن الكتاب يحمل “الحقائق المخفية” التي سيكتشفها القارئ لأول مرة. غير أن الحقيقة هي أن كثيرًا من المعلومات التي استعرضها ودورد ليست سوى محاولة لزيادة الاحتقان بين الشعوب العربية وحكوماتها، وإثارة الشكوك في ولائهم.
يبدو أن ودورد، الذي صنع اسمه عبر كشف “فضيحة ووترغيت” وفضح الفساد في أروقة السياسة الأميركية، يحاول هنا تقديم “فضيحة حرب” جديدة، ليس لكشف الحقيقة، بل لتضليلها وتشويهها. العالم اليوم ليس كما كان قبل عقود؛ بات الناس قادرين على الحصول على المعلومات من مصادر متعددة، وفقدان الثقة في الروايات الموجهة من طرف واحد. ولم يعد بمقدور الإعلام الغربي، مهما حاول، أن يملي على العالم روايات مزورة؛ فالرأي العام بات يرفض هذه المسرحيات المتكررة والمروية بأسلوب تضليلي بحت.
أحد أبرز جوانب الكتاب هو تعمد ودورد عدم ذكر مصادره المباشرة، ما يثير تساؤلات حول مصداقية السرد الذي يقدمه. هل يعمد ودورد إلى توظيف شهرته الصحافية ليقدم رواية تفتقر إلى الأدلة؟ أم أن هذا النقص المتعمد في المصادر يخدم غرضًا سياسيًا، لمحاولة تثبيت صورة محددة في عقول القراء قبل الانتخابات؟ إن ودورد، الذي يعرفه العالم كصحفي استقصائي مرموق، لم يتمكن هنا من تقديم ما يكفي لإقناع القارئ بأن كتابه يحمل مصداقية حقيقية.
ما يمكن استخلاصه هو أن ودورد تعمد إثارة هذه الضجة لتحقيق أهداف مادية وسياسية، ولزيادة الطلب على كتابه، لكنه لم يفلح سياسيًا؛ ففيه من التناقضات ما يعلمه الشارع العربي مسبقًا، حيث لم يعد يحتاج إلى مثل هذه الكتب ليكتشف الحقائق المخفية. ولعل ودورد، في سعيه لتلميع صورة الديمقراطيين وإعادة الهيبة للإدارة الأميركية، قد فقد في المقابل ثقة قارئه الذي بات أكثر وعيًا وإدراكًا.
في النهاية، يُخيل إلينا أن بوب ودورد قد بدأ مسيرته بفضيحة أميركية “ووترغيت” كشفت الحقائق وأسقطت رئيسًا، لكنه يُنهيها بفضيحة تضليل مكشوفة، محاولة منه لتبييض صفحة إدارة، وتبرئة إسرائيل، لكن العالم لم يعد يتأثر بهذه الروايات الملفقة.