منذ أن كانت جماعة الإخوان المسلمين في الاردن في عام ١٩٤٦ لم تكن مشكلتها مع الدولة قانونية بالدرجة الأولى بل كان المعيار سلوك الجماعة السياسي وظروف الإقليم وتقلبات الوضع العربي بين الانظمة الثورية والملكية، ودائما كانت القيادة الاردنية بعيدة النظر في ادارة علاقاتها الإقليمية ومعادلتها الداخلية ومنها الاخوان.
وبعد ان جاء عبدالناصر للحكم وهو حليف الاخوان وفق روايات قادتهم المصريين دخلوا في صدام معه وتحولت الجماعة في بلد المنشأ الى تنظيم محظور مقيم في السجون وقادته على اعواد المشانق وهو امر لم يختلف الى اليوم الا في فترة محدودة، وبدأت رحلة الجماعة مع التشرد السياسي في المنطقة ثم صدام مع النظام السوري الذي تغير مسماه عند الاخوان منذ نهاية السبعينات من نظام مجرم الى مقاوم ولم تكن التغييرات في بنية النظام السوري بل تقلبات مصالح الاخوان.
منذ ان كانت الجماعة في الاردن الى منتصف التسعينات كانت الجماعة تحكمها قيادات لا ترى في الجماعة جسما ندا للدولة الاردنية، بل كانت تقدر للدولة حكمتها، ولم يكن شعور الاستقواء على الدولة حاضرا حتى في المراحل التي كانت فيها العلاقة سلبية، وحتى من كانوا يسمون صقورا في تفاصيل الجماعة فإنهم كانوا الاكثر انصياعا لمعادلة العلاقة مع الدولة، والاهم كانت الجماعة سيدة نفسها بل ان التنظيم الدولي للاخوان كان يعتبر الاردن الرئة التي تتنفس منها الجماعة المطاردة في ساحات ودول عربية كثيرة.
بعيدا عن كل الكلام الانشائي حول الاحتواء او السلم المجتمعي فان مشكلة الاخوان مع الدولة ناتجه من الجماعة وهذا يعرفه المنصفون منهم فالجماعة فقدت قيادة نفسها بعد منتصف التسعينات لمصلحة قيادة حماس التي كانت في الاردن، وهذا ليس اتهاما بل امر يعرفه جيدا قادة الجماعة الذين خرجوا منها او الذين بقوا وكانت قضية من قضايا اخوان الاردن التي تعرض على التنظيم الدولي،ربما لان قيادة حماس في الاردن لديها قضية فلسطين ولديها امكانات اكبر وذكاء في استغلال كل ما لدى الجماعة.
والعامل الثاني نوعية القيادة التي ومن يأتي بها والعقلية التي ظهرت في ادارة الجماعة لما يسمى الربيع العربي والتي جعلت الجماعة تتعامل مع الدولة باستقواء وندية ومنهجية فرض الشروط، ورغم ان الجماعة دفعت ثمنا كبيرا لهذا الا ان نوعية القيادة لم تتغير فغاب العمق وغاب الفكر السياسي، ففرق بين قيادة مظاهرة او اعتصام وبين ادارة معادلة وجود تنظيم خاصة بعدما تحولت الجماعة كما هي اليوم الى حالة محظورة في كل الإقليم.
الجماعة اليوم ومنذ اكثر من عشر سنوات تنظيم غير مرخص وهي مرحلة قانونية تحتاج الى فهم عميق من الجماعة لها، وفي الميدان لديهم حزب مرخص تقوده الجماعة بما في ذلك تعيين الأمين العام، لكن الاخوان المسلمين وهم الجماعة غير المرخصة مع كل تقلب في الإقليم يظهرون عدم ادراك لمعادلة العلاقة مع الدولة او الإقليم ولهذا تعاملوا مع فكرة التضامن مع غزة ليس لمواجهة العدوان الصهيوني بل بذات العقلية التي اداروا فيها فترة مايسمى الربيع العربي، وحتى بعد الانتخابات النيابية ونتائجها ازداد لديهم الشعور بالندية تجاه الدولة.
لا احد في الإقليم من الدول يريد أن يرى الاخوان المسلمين حاضرين بل هم في تصنيف دول مهمة محظورين، ومن يعيش هذه الحالة يتعامل بتواضع في اي ساحة يمكنه التواجد فيها وليس العكس، وما يحتاجه الاخوان في الاردن وهم في حالة وسيطة بين الترخيص والحظر اي تنظيم غير مرخص ان يتخلوا عن فكر الاستقواء والندية تجاه الدولة وان تعود الجماعة غير المرخصة تحكم نفسها كما كانت قبل منتصف التسعينات وان لاتكون اداة لجسم اخر.
بعيدا عن نشوة الانتخابات او أصوات المسيرات او هتافات الكالوتي فان الجماعة غير المرخصة تحتاج الى قراءة عميقة ليس لموقف الدولة بل لمسيرتها منذ منتصف التسعينات والى اليوم، فالتحولات في داخل الجماعة في نوعية وتركيبة قياداتها ومن يوجه التنظيم في المراحل الصعبة والتي دفعت بعض ثمنها جعلت الاخوان قبل عقود حالة مختلفة عما هي عليه اليوم الجماعة خاصة أن الرافضين لوجود الاخوان في الإقليم هو الغالبية العظمى فحتى قطر التي تفتح أبوابها لإخوان المنطقة تمنع وجود تنظيم اخواني قطري.
الرأي