لماذا تعتبر أمراض القلب قضية تنموية في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط؟
د. جمال الدباس
04-11-2024 12:30 AM
تشكل أمراض القلب والأوعية الدموية (CVDs) تحديًا صحيًا وتنمويًا كبيرًا في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث تقع 75% اي ثلاثة أرباع الوفيات الناجمة عن هذه الأمراض في تلك الدول. إن الأسباب التي تجعل أمراض القلب والأوعية الدموية قضية تتعدى المجال الطبي بحد ذاته وتتعمق في بنية التنمية الاجتماعية والاقتصادية متعددة ومعقدة.
أولاً، تفتقر العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى برامج الرعاية الصحية الأولية التي تتيح الكشف المبكر وعلاج عوامل الخطر المرتبطة بأمراض القلب. يعاني العديد من الأفراد في هذه المجتمعات من صعوبة الحصول على خدمات صحية فعالة وعادلة تستجيب لاحتياجاتهم. ونتيجة لذلك، يتم اكتشاف المرض في مراحل متأخرة، مما يؤدي إلى وفيات مبكرة في سن الشباب، حيث يكون الأفراد في أوج إنتاجيتهم وعطائهم.
ثانيًا، تعتبر الشريحة الأفقر في هذه البلدان هي الأكثر تأثراً بأمراض القلب والأوعية الدموية، حيث يتسبب الإنفاق الكبير على الرعاية الصحية في دفع الكثيرين نحو الفقر المدقع بسبب المصاريف الطبية المرتفعة وعدم توفر أنظمة التأمين الصحي. عند مستوى الأسرة، يؤدي هذا الإنفاق الضخم إلى استنزاف الموارد المحدودة، مما يفاقم من أوضاع الفقر ويجعل الخروج من دائرة المرض والفقر شبه مستحيل.
أما على المستوى الاقتصادي العام، فإن أمراض القلب والأوعية الدموية تفرض عبئًا ثقيلًا على اقتصادات الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث تخسر تلك الدول قوة عاملة مؤهلة في سن مبكرة. ويؤدي هذا الأمر إلى تأثيرات سلبية مباشرة على الناتج المحلي الإجمالي، ويزيد من الضغط على نظم الرعاية الصحية الهشة أصلاً.
وأمراض القلب والأوعية الدموية خطر يهدد المجتمع … لكن هناك قرارات يمكنها أن تنقذ الأرواح.
ففي زمن يتزايد فيه التركيز على التقدم الاقتصادي والاجتماعي، يبقى التحدي الأكبر هو صحة الأفراد وتأثيرها على استدامة هذا التقدم. وتعد أمراض القلب والأوعية الدموية إحدى أكبر القضايا الصحية التي تهدد حياة الملايين، خاصةً في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. ورغم أن عوامل الخطورة لهذه الأمراض متنوعة، إلا أن هناك عوامل يمكن التحكم بها ووقف ضررها.
دعونا نتحدث بصراحة: عندما يقرر شخص ما أن يدخن، قد يعتقد أن له كامل الحرية في إيذاء نفسه. ولكن، ماذا عن المحيطين به؟ هل من حقه أن يعرضهم للأذى أيضًا؟ التدخين السلبي، الذي يتعرض له غير المدخنين نتيجة استنشاق دخان السجائر المحترق، يعتبر أحد أخطر مسببات أمراض القلب والأوعية الدموية. الإحصاءات تشير إلى أن التدخين السلبي يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب لدى غير المدخنين بنسب كبيرة، وهذا أمر يمكن تجنبه تماماً بقرارات بسيطة ومسؤولة.
والأمر لا يتعلق فقط بالتدخين، فالعادات الغذائية غير الصحية ونقص النشاط البدني عوامل أساسية أخرى. في الدول ذات الدخل المرتفع، نجد برامج توعية صحية واسعة تروج للحياة الصحية وتحارب العادات السيئة، أما في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، فإن هذه البرامج غالبًا ما تكون محدودة. هذه الفجوة في التوعية الصحية والتدابير الوقائية تجعل الأفراد في هذه الدول أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، وبالتالي يزيد العبء على نظام الرعاية الصحية الضعيف في الأصل.
لنتخيل لو أن كل فرد قرر أن يتخذ خطوات بسيطة لحماية صحته وصحة الآخرين. منع التدخين في الأماكن العامة، اختيار غذاء صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، كلها قرارات شخصية قد تبدو بسيطة، ولكنها تصنع فرقًا كبيرًا على المستوى الوطني. إذا كان المدخن حرًا في اختياراته، فإنه أيضًا يتحمل مسؤولية عدم تعريض الآخرين لخطر لم يختاروه بأنفسهم.
في النهاية، نحتاج إلى التوعية، ليس فقط على المستوى الفردي، بل أيضًا على مستوى السياسات الصحية. الحكومات يمكنها أن تلعب دورًا هامًا من خلال سن قوانين تمنع التدخين في الأماكن العامة وتفرض على الشركات وضع تحذيرات صحية على المنتجات الضارة. وفي نفس الوقت، يجب أن تكون هناك حملات توعية مستمرة تسلط الضوء على خطر العادات غير الصحية وتحفز الناس على تبني أسلوب حياة صحي.
فهل سننتظر حتى تتفاقم المشكلة وتصبح السيطرة عليها مستحيلة؟ أم سنتخذ قرارات مسؤولة لإنقاذ أنفسنا وإنقاذ مجتمعنا؟