البريزات تكتب: دولة الرئيس .. هل نلمح ضوءًا في نفق الصحافة؟
فلحة بريزات
03-11-2024 01:25 PM
رغم دعوة رئيس الوزراء جعفر حسان بالانفتاح على وسائل الإعلام وحق المواطن بالإطلاع على المعلومات وشروح القرارات، إلا أن الباب لا يغلق على أسئلة تفقد غالباً قيمة أجوبتها مع كل قادم جديد للدوار الرابع. والمحصلة؛ لا جديد سيدون في ملف الصحافة والإعلام- رغم محاولات لم ينتج عنها ما يكفي لعكس مسار التآكل في جسم الصحافة، لأن العقل الرسمي يراهن دوما على ستاتيكو "استتباب الحال".
وبدون الإغراق في التفاصيل، يحتفظ المخيال الصحفي بتشريعات قوضت دور الصحافة، وإدارات تعهدت بإبقاء الحال ساكناً، فأوقفت محركات البحث عند نقطة "لا تطور". ذات التشريعات والإدارات أسهمت عبر العقود بخلخلة قواعد المهنة، فكانت النتيجة تمييع المشهد، وتراجع السوية المهنية، ماجعل هذا الجسم إما غائباً أو ضيف شرف في المشهد الإعلامي.
واستناداً لهذا الواقع، وعطفاًعلى دعوة الانفتاح، واستدراكاً لتولد فجوات بين القول والفعل، يحق للصحفيين اليوم، توجيه الدعوة للرئيس حسان بأن يطل من "بيت الصحافيين" على التحديات التي تواجههم، وتحد من قدرتهم على مواكبة المتغيرات المتسارعة في حقل صناعة الإعلام. نصيحة الارتقاء بالصحافة وإزالة العقبات من أمامها توجه أيضا للخبير الإعلامي وزير الاتصال الحكومي محمد حسين المومني.
قد تكون فكرة اللقاء مبرمجة، لكن المختلف فيها، أن تكون نقابة الصحفيين هي الفضاء الأرحب الذي تبدأ فيه الحكومة أولى خطوات الانفتاح، بالإيمان بدور الصحافة أولا، معالجة عناصر ضعفها ثانياً وإعادة الألق إليها ثالثا؛على أرضية مشتركة من الحوار، قوامها تعظيم نقاط الإلتقاء. وبموازاة النقابة، هناك بيوت خبرة ومخازن تجارب ممن أشعلت مهنة الصحافة رؤوسهم شيباً، وجيل لديه ما يقوله في عصر "الرقمنة" فيتمازج فيه الجديد مع القديم، إحقاقا لمعادلة الجذر يبقى هو الأساس الذي يقوي ويسند الفروع.
السلطة التنفيذية عليها اليوم مسؤولية الانفتاح الحقيقي على الصحافة، وتمكينها مادياً وتشريعيا، وإعادة التفكير بنهج اختيار من يدير دفتها لأنه العنصر الأقدر على تحرير الإمكانات المهنية الكامنة لدى الصحافيين.
وعلى السلطة الرابعة مسؤولية - لا تسقط بالتقادم وتغير الحكومات - التفاعل بشكل مهني وتطوير أدواتها لتواكب عصر الرقمنة وتعيد ثقل الكلمة والصورة في صوغ الرأي العام. ذلك أن السكون في التعامل مع المتغيرات في البيئة الإعلامية خيار لم يعد مقبولاً لا مهنياً ولا أخلاقيا، ناهيك عن أن الارتهان لمعالجات تلطيفية للقضايا الوطنية لم يعد الطريقة الفضلى والآمنة للبقاء. فالوقوف على الأرض قوة إذا رافقه التطلع إلى السماء.
بلا شك في أن التحولات الكبيرة في صناعة الإعلام، أثرت في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فألقت هذه المتغيرات حملا على مراكز صنع القرار التي سعت في كثير من الأحيان إلى تطويعه بدلاً من تمكينه، مع عوامل اقتصادية ضاغطة أسهمت بإضعاف دوره وفاعليته، ما أحدث إزاحة في المشهد الإعلامي المهني الرزين لمصلحة الإعلام المتكسب.
إن ثلاثية التشريع، والإدارة والمحتوى هي عناقيد متصلة. فمراجعة أولها، يؤسس لعلاقة مهنية ومسؤولة بين الطرفين، وحسن أختيار ثانيها يعزز من جودة ثالثها. والنتيجة إعلام متوازن واحترافي يبحث في عمق قضايا المجتمع؛ إعلام يسلط الضوء على تجاوزات وأخطاء الإدارات العامة والخاصة بمهنية لا يحكمها إلا المنفعة العامة.
في مقال له بعنوان "الصحافة شريان الحياة للديمقراطية البريطانية وحكومتي ستحميها"، يعلن رئيس الحكومة البريطانية: "كنت أتعرض للمساءلة الشديدة من أعضاء السلطة الرابعة العازمين والحاسمين الذين لا يمكن كبتُهم. ورغم أنه لا يوجد تهديد مباشر لحرية الصحافة في بلدنا، يتعين علينا أن نظل يقظين حتى لا تبدأ القوة المتنامية للتكنولوجيا الرقمية في تقويضها".
أخيرا علينا أن ندرك جميعاً قيمة صحافتنا حتى لا نفقد قدرة تأثيرها. فالسكون في الحركة ما هو إلا عذرا لركود الأفق، وغياب القدرة على اجتراح الحلول. وهو يحول دون نهوض الصحافة صاحبة الكلمة الأعلى، في مواجهة التحديات التي تستهدف الأردن وطنًا وعروبة، بوجود عدو يستنطق الحجر لترويج أكاذيبه والدفاع عن حقه بالوجود.
الكرة اليوم بمرمى الحكومة، ووزير الاتصال الحكومي الذي استقبلته الأوساط الصحافية بارتياح وتنتظر منه تطوير ملف الصحافة والإعلام.
وللحديث بقية..