ومن نعم الله على الأردن، أن "قيّض" له ناطقا رسميا باسم الحكومة، يجمع الصحافيين كل أسبوع، ويحدثهم عن شؤون البلاد، ويقدم تحليلا للأحداث، وتعقيبا على التطورات المحلية والإقليمية، دون أن يِسأله أحد عن تركيب جملة سياسية واحدة!!
فهو يعتبر مثلا أن لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في دمشق مع رئيس الحركة السياسية لـحركة"حماس" خالد مشعل، ليس "التفافا" على دعوة الحكومة لعباس واسماعيل هنية للاجتماع في عمان!
يؤكد الناطق ذلك، ولا يأبه للخلفيات، والمعلومات، والتحركات، والتنافس العربي والاقليمي على الساحة الفلسطينية المضطربة!
طبعا، الصحف تصدق ذلك، وتٌعنون تغطياتها الاخبارية على استخلاص الناطق الرسمي، وهي تعلم أن اللقاء بين "فتح" و"حماس" يمكن أن ينعقد في الصين، قبل الأردن، وهي تعلم كذلك ماذا "وراء الأكمة"؟
فالحكومة تحتفظ بعلاقة جيدة مع "فتح" ومع الرئيس الفلسطيني، ولكنّ صلاتها معدومة مع "حماس" وبينهما قضايا عالقة، مثل قضية الأسلحة، والمكاتب المغلقة منذ سنوات، وأيضا الكثير من الحذر والشكوك متبادلة!
والحكومة نفسها تعلم أن أيّ وسيط بين طرفين، ينبغي أن يكون على المسافة ذاته بينهما، أو أن يحظى بعلاقات طيبة معهما، وهذا لا ينطبق بتاتا على الوضع مع "حماس"!
أما كيف سبقتنا دمشق في ترتيب اللقاء، وكيف قبل به أبو مازن ومشعل معا، فتلك قصة تتعلق بتلك الشكوك، وذلك الحذر ايضا!
وبدلا من أن تلتقط الحكومة رسالة "حماس" الواضحة والصريحة، ذهب الناطق الرسمي بعيدا في الانشاء الحكومي، وحدثنا عن دعم اي جهود لمنع الاقتتال الفلسطيني، ما يدلّ بوضوح على غياب القراءة الحكومية للتجاذب الفلسطيني ، وعلاقة الأردن مع الأطراف الفلسطينية!
وواصل الناطق في مؤتمره الأخير التجلي، عندما تحدث في تضخّم الكتلة العراقية في الأردن، فأكد لنا بما لا يدع مجالا للتأويل والاجتهاد بأن "الأردن سيبقى ملاذا للجميع" ونسي أن يقول عبارة "ولكل أحرار العرب"!
الأردن ذو الموارد المحدودة، والمياه الشحيحة، والبنى التحتية غير المهيأة للهجرات والموجات البشرية، بات في سياق الانشاء الحكومي المتواصل "ملاذا للجميع"!
أما كيف يكون ذلك؟ وما مدى دقة هذا الكلام وواقعيته، فلا أحد يعلم، ولكن الحكومة مصرة على الحضور اسبوعيا أمام الصحافيين، وهي مدججة بالنوادر والطرائف التي يتوهم الناطق الرسمي انها تشكل خطابا سياسيا، أو إعلاميا!