الزعبي يكتب: هل هناك إنفاق خارج الموازنة؟
عبد المنعم عاكف الزعبي
02-11-2024 02:15 PM
الأصل أن ترتفع مديونية الحكومة بقيمة العجز المتحقق بين نفقاتها وإيراداتها كل عام.
فمن غير المألوف ولا المبرر أن تقترض الحكومة أي مبلغ إضافي لسبب آخر غير تمويل عجزها السنوي.
ولكن الأرقام في الأردن لا تظهر هذا التطابق المفترض بين زيادة المديونية وقيمة العجز الذي تواجهه الموازنة.
وعلى سبيل المثال، ارتفع الدين العام في عام 2023 ب 2.69 مليار دينار، رغم أن إجمالي عجز الحكومة المركزية والوحدات الحكومية لم يتجاوز 2.41 مليار دينار.
هنا يصبح التساؤل مشروعا عن ال 290 مليون دينار التي اقترضتها الحكومة فوق قيمة العجز بين نفقاتها وإيراداتها.
أحد التفسيرات المحتملة أن هذه الأموال تم اقتراضها للإنفاق على بنود غير ظاهرة في الموازنة في مخالفة صريحة للدستور والقوانين السارية.
البحث والتمحيص يثبت أن هذه التفسير غير دقيق.
فالعودة لقانون الموازنة للعام 2023 يظهر أن هذا الاقتراض الإضافي ذهب لسداد متأخرات مالية على الحكومة (التزامات غير مسددة من سنوات سابقة) بذات القيمة تقريبا.
ولكن هذه المتأخرات لم تظهر في بند النفقات العامة ولم تؤثر على قيمة العجز. وهذا لأن الموازنة عاملتها على أنها قروض سابقة تلتزم الحكومة بسدادها وإعادة تدويرها، وليس نفقات كما هي في واقع الأمر.
وبالتالي بدت العملية على أنها اقتراض لإطفاء قرض قائم ضمن موازنة التمويل، بدلا من أن تكون اقتراضا لسداد نفقات عامة وتمويل العجز المترتب عليها.
هذه المعاملة المحاسبية التجميلية هدفها على الأغلب تقليص النفقات العامة، وبالتالي عجز الموازنة للمستوى المتفق عليه مع الجهات الدولية، على اعتبار أن هذه المتأخرات ظرف استثنائي حدث لمرة واحدة ولن يتكرر.
مثل هذه الإجراءات التجميلية ليست غير قانونية أو مخالفة للدستور كما هو الحال بالنسبة للإنفاق خارج الموازنة دون غطاء دستوري أو تشريعي.
ولكنها تبقى إجراء غير محبذ كونه يسمي الأمور بغير مسمياتها، ويمكن أن يغري الحكومات مستقبلا بالتوسع باستخدامه خارج الحدود الآمنة، وبحيث يصبح غطاء لإخفاء الوضع الحقيقي للموازنة.
صحيح أن موازنتنا تتمتع بمستوى ممتاز من الشفافية وتخضع للرقابة المحايدة والمهنية لصندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني.
ولكن ذلك لا يلغي أن سداد المتأخرات هو نفقات عامة يجب أن تدخل في حساب العجز، وأن الالتزام بدفع الديون لا يختلف عن كفالة الحكومة لها، وأن ما تمنحه الحكومة لسلطة المياه وشركة الكهرباء الوطنية من سلف هو في الواقع دعم حكومي يجب أن يحتسب كجزء من النفقات العامة.
ولا ننسى أخيرا أن الدستور نص أنه "لا إنفاق إلا بقانون" ولم يقل بأنه "لا دين إلا بقانون".
أداء المالية العامة في الأردن جيد جدا ولكن الانضباط المالي يستدعي التراجع عن جميع الإجراءات التجميلية المتخذة في عهد الحكومة السابقة بمجرد تجاوز الظرف القائم.
المهمة صعبة ولكن الأردن أثبت قدرة استثنائية على مواجهة الصعوبات والتحديات - ماليا ونقديا على وجه الخصوص.