القيادة بين الرشاقة والصفاقة
د. ثابت النابلسي
02-11-2024 11:34 AM
تُعد القيادة الرشيقة نموذجاً حديثاً في عالم الإدارة، أثبت فعاليته في تحسين بيئات العمل وتطوير الأداء المؤسسي. تعتمد القيادة الرشيقة على المرونة والتكيف مع الظروف المتغيرة، إلى جانب القدرة على التأثير الإيجابي في الأفراد وتحفيزهم لتحقيق الأهداف المشتركة. هذه القيادة ليست مجرد نمط إداري، بل تمثل توازناً حكيماً بين القرارات التوافقية والقرارات الانفرادية، مما يجعلها مناسبة لمواجهة تحديات المؤسسات في القطاعين العام والخاص.
مرتكزات القيادة الرشيقة
في إطار تعريف الدكتور بِل جونز، الحاصل على دكتوراه في تطوير المنظمات من جامعة هارفارد، تُعرف القيادة الرشيقة بأنها “القدرة على القيادة المؤثرة في ظل التسارع وعدم اليقين." ووفقاً لهذا النموذج، تقوم القيادة الرشيقة على أربعة أنواع: الرشاقة الذاتية التي تمكن القائد من التطور والتكيف شخصياً، رشاقة المعنيين التي تضمن إشراك جميع الأطراف وتحفيزهم، رشاقة السياق التي تتكيف مع المتغيرات، والرشاقة المبدعة التي تفتح آفاقاً للتجديد والابتكار. هذه الركائز تمثل الأساس المتين الذي تقوم عليه القيادة الرشيقة وتدعم استدامتها.
سمات القائد الرشيق
تجمع القيادة الرشيقة سمات تجعل القائد فعالاً في تحقيق الأهداف، وقد حدد العلماء خمسة مستويات أساسية لهذه السمات: القائد الخبير الذي يتقن مجاله، المنجز الذي يتمتع بالكفاءة والقدرة على تحقيق النتائج، المحفز الذي يلهم فريقه، المشارك الذي يعمل بروح التعاون، والمؤازر الذي يدعم أفراد فريقه في التحديات. يعكس هذا النموذج نظرية القيادة التحويلية التي تركز على قدرة القائد على إحداث تغيير إيجابي من خلال تحفيز الأفراد وتشجيعهم لتحقيق الأهداف بشكل يتجاوز الحدود التقليدية.
دور القيادة العليا في تحقيق التوازن
تعتبر القيادة العليا ركيزة أساسية في الحفاظ على التوازن داخل المؤسسة. فكلما ارتفع مستوى الرشاقة لدى القادة، ازدادت قدرة المؤسسة على مواجهة التحديات وتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وهذا يتماشى مع نظرية الذكاء العاطفي التي تشير إلى أن القائد الناجح هو القادر على فهم مشاعر واحتياجات فريقه، مما يعزز من تماسك المؤسسة ويزيد من انتماء الأفراد لها.
مفهوم الصفاقة في القيادة
على الجانب الآخر، يتجسد مفهوم “الصفاقة” في القيادة كنهج معاكس للرشاقة، حيث يتسم القائد الصفيق بالوقاحة والتملق، مظهراً اهتماماً زائفاً بالإنجاز والتغيير. يظهر تأثير القيادة الصفيقة في المؤسسات عبر سلوك الموظفين، إذ ينجذبون لخدمة القادة أكثر من خدمة المؤسسة، ويختبئون خلف إنتاجية وهمية وتظاهرٍ غير حقيقي بالإنتاج.
وتُسهم هذه السلوكيات في تشتيت الرأي العام بعيداً عن الواقع الفعلي، ما يؤدي إلى ارتفاع “هرمون اللامبالاة” بين الموظفين، وفقدان الشعور بالانتماء والبحث عن الانتفاع الشخصي فقط.
تأثير القيادة الصفيقة
إن بقاء القيادة الصفيقة لفترات طويلة داخل المؤسسة يؤدي إلى ضعف التماسك المؤسسي، مما يزيد من حالة الإحباط بين الأفراد. وعلى النقيض من القيادة الرشيقة، فإن القيادة الصفيقة تحصر المؤسسة في دائرة من الجمود، وتُعيق أي مبادرات للتطوير والتحسين.
اخيراً الانتقال من الصفاقة إلى الرشاقة.
في ختام هذا المقال، يتضح أن اعتماد القيادة الرشيقة هو السبيل الأمثل لتحسين بيئات العمل وتطوير أداء المؤسسات.
إن تطبيق مبادئ القيادة الرشيقة يدعم المؤسسات في مواجهة التحديات، ويتيح بناء بيئة عمل داعمة للأداء الفعال وتحقيق الأهداف بشكل مستدام.