عندما تُزرع الأشجار لأجل الظل .. لا لأجل الدولة ..
محمود الدباس - ابو الليث
02-11-2024 12:57 AM
في زمن بعيد.. اتخذ الملك لويس الخامس عشر قراراً قد يبدو بسيطاً.. فقد أمر بزراعة أشجار الصنوبر في إحدى الساحات الملكية.. لكن سرعان ما استغل المتملقون هذا القرار وسال حبر التحليلات حول أبعاده العميقة.. منهم من رأى فيه بعداً استراتيجياً لتأمين الدولة.. فيما لو تم تعميم الفكرة على مساحات اخرى.. ومنهم من اعتقد وحلل انه سيصبح رمزية لحكمه.. وظلت التأويلات تتدفق وتزداد تعقيداً.. حتى بات الجميع يظن أن وراء هذه الأشجار سراً عظيماً.. لكن المفاجأة جاءت عندما سُئل الملك عن السبب.. فأجاب ببساطة.. أنه أراد الظل في الصيف.. حينها سقطت كل التأويلات.. وبان أن ما فعله الملك.. لم يكن سوى قرار عابر بلا مغزى عميق.. ولم يكن له أبعاد سياسية.. أو غايات مخفية..
قصة أخرى نجدها في عالم الشركات العالمية.. طيران الإمارات حين تأسست.. اختارت الرمز EK.. وهنا أيضاً تحولت هذه الأحرف إلى محور للتحليل والتأويل.. البعض ظن أنها ترمز للعلاقة بين دبي وكراتشي.. لأن أول محطة ستطير اليها هي كراتشي.. والبعض الآخر نسج حولها نظريات عميقة.. ومدلولات شخصية.. لكن الحقيقة كانت أبسط بكثير.. كان هذا الرمز مجرد خيار متاح في نظام IATA ويبدأ بحرف E.. وليس له أي مغزى مخفي.. لكنه حصل على دلالات وتحليلات إضافية بسبب المكانة المرموقة للشركة.. تماماً كما حدث مع قرار الملك لويس..
هذه القصص وغيرها.. تجعلنا نتساءل.. لماذا نرى في كل خطوة لشخصية أو مؤسسة مرموقة.. عُمقاً لا يكون حقيقياً؟!.. هل هو سعي لتجميل صورة الكبار؟!.. أم أن بعض المحللين يسقطون رغباتهم على قرارات ليست لها تلك الدلالات الكبيرة؟!..
أحياناً تكون الأمور أبسط مما يعتقد المتملقون.. ولكن في ركضهم خلف إبهار المجتمع.. وصناعة هالة حول كل تصرف.. يتحولون إلى صُنّاع لوهم عظيم.. أو يحاولون تشتيت الأذهان.. بحبكة معقدة لا وجود لها في الأصل..
والحقيقة أن هذه المبالغة في التحليل.. قد تُبعدنا عن الحقائق البسيطة.. وتجعلنا ننسى أن بعض القرارات.. لا تتطلب تأويلاً ولا تمجيداً.. فليس كل ما يصدر عن شخصية سياسية.. أو اقتصادية.. يحمل خلفه أسراراً عظيمة..
محمود الدباس - ابو الليث..