يتجادل كثير من أهل السياسة لدينا في مآلات الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تفصلنا عنها أيام معدودة، على مستقبل العلاقات الأردنية-الأميركية، بين من يتمنى فوز المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، باعتبارها امتدادا طبيعيا للعلاقات الاستراتيجية التي تجمع الأردن مع إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي الحالي، جو بايدن، وبين من يفضل انتصار المرشح الجمهوري الرئيس السابق، دونالد ترامب، لاعتبارات عديدة؛ أهمها أن الأردن نجح في بناء علاقة متوازنة، إلى حد ما، خلال فترته الرئاسية الأولى، وأنه من البراغماتية بمكان للوصول إلى مقاربات أكثر واقعية لإنهاء الحرب الإسرائيلية الدموية ضد الشعب الفلسطيني، والمضي قدما بعملية السلام.
وما بين أصحاب هذا الرأي أو ذاك، علينا جميعا إدراك حقيقة واحدة: وهي أن العلاقات الأردنية-الأميركية راسخة بغض النظر عمن يملك مفاتيح البيت الأبيض، والفضل في كل ذلك يعود للقيادة السياسية الدبلوماسية الحكيمة المتزنة لجلالة الملك عبد الله الثاني، الذي نجح دوما، وعلى مدار سنوات، في بناء علاقة استراتيجية متعددة الأبعاد مع مختلف القيادات الأميركية، ديمقراطية كانت أم جمهورية، وذلك ليس على مستوى البيت الأبيض وحسب، بل مع مختلف دوائر صنع القرار في واشنطن لتشمل قيادات الكونغرس، بشقيه الشيوخ والنواب، والمؤسسة العسكرية، والجاليات، وأهم دور الأبحاث والدراسات، وحتى وسائل الإعلام المؤثرة في توجهات النخب والجمهور الأمريكي.
وعليه، فالأردن يكاد أن يكون من الدول المعدودة على أصابع اليد في العالم التي تملك تأثيرا مباشرا في بناء النخب الأميركية لقناعاتها وميولها وقراراتها، حتى أضحت المملكة من الأصدقاء والشركاء والحلفاء الأكثر موثوقية في الشرق الأوسط من قبل الساسة في واشنطن، على اختلاف توجهاتهم.
قوة الأردن التاريخية في التأثير في القرار الأميركي تنبع من المصداقية العالية والجدية الواقعية التي تأخذها النخب الأميركية لمواقف جلالة الملك، والقائمة، جملة وتفصيلا، على دعم كل ما يصب في تحقيق السلام العالمي وبناء مستقبل إيجابي للأجيال القادمة في إطار مبادئ العدالة الإنسانية والمواثيق الدولية، مع الحفاظ على الثوابت الأردنية فيما يتعلق بالقضايا المصيرية، وأولاها حق الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وبناء دولته المستقلة.
لقد نجح الأردن، فعلا، في حماية مصالحه الوطنية، والحفاظ على استقراره في إقليم يموج بالاضطرابات والصراعات، وقد جاء ذلك عبر بناء تحالفات وشراكات وصداقات دولية لا تقف فقط عند بوابة عاصمة صنع القرار في العالم، واشنطن، بل في مختلف العواصم المؤثرة ومع كبرى التكتلات السياسية في العالم والشرق الأوسط.
سياسة التمسك بقرارات الشرعية الدولية، والحياد الإيجابي، وعدم التدخل في شؤون الدول، وتقديم المصلحة الوطنية، هي ما حمى الأردن ليبقى سفينة راسخة رغم تلاطم الأمواج الإقليمية والعالمية من حوله.
ورغم أن بعض أصحاب الأجندات الموتورة والحاقدين يسعون ليلا نهارا لتشويه صورة الأردن ومواقفه، إلا أن حكمة القيادة، ومن خلفها تكاتف أبناء وبنات الوطن في السراء والضراء وقف وما يزال سدا منيعا حماية لأمن ومصالح المملكة.
بغض النظر عمن سيتربع على عرش الحكم في واشنطن، فالأردن نجح دوما في قراءة المعادلات الإقليمية والدولية وتطويعها خدمة، في المقام الأول، لمصالحه واستقراره، ليستمر بكل قوة وثبات مدافعا عن قضاياه، ومن حوله قضايا الشعوب العربية والإسلامية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي يتعامل معها باعتبارها قضية مصيرية يصب حلها على أساس حل الدولتين ووفق قرارات الشرعية الدولية في مصلحته الوطنية العليا.
الغد