من جذور الأشجار إلى جذور المعرفة: رحلة تأمل في كوالالمبور، أثناء زيارتي حالياً إلى مدينة كوالالمبور، أبهرتني ظاهرة غير عادية تلفت الأنظار وتثير التأمل. هنا، تتكشف جذور الأشجار الطويلة علانيةً فوق الأرض، بخلاف ما نعهده حيث تختفي الجذور عادةً في الأعماق. تبدو هذه الأشجار غير مكترثة بقواعد الطبيعة التقليدية، إذ تعلن عن جذورها بفخر، مكشوفةً للعيان. وكأنها تقول لنا إن ارتباطها بالأرض هو الذي يمنحها القوة للسمو نحو السماء.

عادةً، نخفي الجذور كأنها جزء خفي من هوية الشجرة، بعيدًا عن الأنظار وتحت حماية التربة، وكأنها تستمد من خجلها قوة خفية تمنحها الحياة. لكن هنا، في كوالالمبور، تنكشف الجذور كأنها تجسد علاقة متوازنة بين الأرض والمستقبل. جذور طويلة تتشابك بجرأة فوق سطح الأرض، بينما تصعد الأغصان في عناق مفتوح مع السماء. إنها رسالة عميقة عن القوة المستمدة من الهوية والانتماء، وعن الجذور الراسخة التي لا تخشى أن تكشف نفسها.

وأنا أتأمل هذه الجذور، شعرت بأن هناك درسًا أعمق يجدر بنا فهمه. فهذه الأشجار لا تتردد في كشف جذورها، ورغم ذلك تستمر في النمو والازدهار. كأنها تعلمنا أن التمسك بالجذور، بالهوية، وبالماضي، هو ما يمكننا من مواجهة تحديات الحاضر والنمو بثقة نحو المستقبل.

إن الطبيعة مدرسة كبيرة، وعلينا تأملها والتعلم منها. ففي الحياة، كل الدروس التي من المفترض أن نتعلمها موجودة، لكن المطلوب منا التمعن بها وأحيانًا كثيرة "الصمت" والنظر إلى نعم الله الكثيرة التي لا تُعد ولا تُحصى، وأن نستمتع في "رحلة الحياة" التي وهبنا إيّاها الله. فلا تفوتنك الأشياء الصغيرة منها وتأملها، ومن المهم التعلم منها حتى تقوي "الجذور" لديك.

وبذلك تكون قد استخدمت الكثير من العصبونات الموجودة فوق أكتافك، والتي تحتوي على أماكن للتخزين والتفكر والتحليل، مثل "الذاكرة"، و"البيانات الضخمة"، و"البيانات الصغيرة"، و"التعلم العميق"، و"الذكاء الاصطناعي". ولكن من المهم أن نؤكد على الجذور؛ فالمؤسسات والدول أيضًا عليها الاهتمام بالجذور حتى تنطلق إلى آفاق مستقبل كبير وواعد.

في عصر التطورات السريعة والابتكارات التقنية، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، يجب ألا ننسى جذورنا وهويتنا. فكما تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على البيانات الأساسية لفهم العالم وتقديم حلول مبتكرة، نحن أيضًا بحاجة إلى الارتباط بجذورنا الثقافية والاجتماعية لتوجيه مسارنا نحو مستقبل أفضل. إن الجمع بين الأصالة والتقدم هو ما يمنحنا القوة للابتكار والتطور دون فقدان هويتنا.

* صالح سليم الحموري/ خبير التدريب والتطوير/ كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية.