إذ تنتقد مايجري للشعب السوري من مذابح، ينتقدك بالمقابل أردنيون، يرون في الرئيس الأسد رمزاً من رموز الممانعة والمقاومة.
تكتشف ببساطة ان للرئيس السوري، معجبين كثرا في الأردن، يسخطون عليك؛ لانك دافعت عن دم السوريين،وهكذا تتنازل نخبتنا عن دم السوريين المسفوك، مقابل عدم تعكير مزاجها، لأنها تريد الذهاب إلى دمشق نهاية الأسبوع دون مشاكل.
في حالات اخرى يريدون ان ُيقنعوك ان سفك دم المصريين والتوانسة واليمنيين والليبيين وغيرهم حرام، وفي الحالة السورية حلال، لان المؤامرة كبيرة على دمشق الرسمية!.
السؤال الذي لا يريد ان يقف عنده أحد يقول لماذا يقبل الأسد الذي يتسم بالذكاء كل هذه التداعيات،إذا كانت هناك مؤامرة على سورية، وبدلا من استيعاب شعبه، والتصالح مع قواه، يعمد الى قتل المئات وجرح الالاف،واعتقال ماتوفر؟!.
المساجد هوجمت وتم هدم بعضها،وسكت بعض مشايخنا الكرام،الذين يقيمون الدنيا ، لتطبيق سنة تحنية اللحية واليد، ودخول البيت بالقدم اليمنى، ويسكتون على هتك الحرمات والاعراض والدماء.
مصيبة نخبتنا انها مصابة بأنفصام في الشخصية، والذين ُيهللون للثورات العربية في كل مكان، يصابون بعقد في اللسان، امام الحالة السورية،وكأن الدم السوري رخيص، والشعب السوري لايساوي فرنكاً فرنسياً.
الاعجاب بكريزما الرئيس الاسد، لايعني التسامح ازاء سفك الدم السوري، لاننا لسنا كالمعجبات المذهولات في هوليوود اللواتي يفقدن العقل امام هذا النجم او ذاك،وهذه قضية شعب لن ينسى الذين سكتوا امام سفك الدم.
الملف السوري لايعالج بدعوة عشاء من السفير السوري في عمان، لمن يراهم أصدقاء دمشق في عمان، وفقا لتصنيفاته، لاننا كلنا أصدقاء دمشق، بمعاييرنا نحن، التي ليست بالضرورة تتطابق مع معايير دمشق الرسمية والسياسية والامنية.
واشنطن أساساً، قررت منح النظام السوري فرصة لاحتواء الوضع في سورية، ولهذا لانسمع تصعيداً حقيقياً ضدها، من عواصم غربية، ويريدون اليوم من النظام السوري ان ينهي حراك شعبه بأسرع وقت ممكن.
يقال هذا الكلام حتى لاتبيعنا النخبة في عمان قصة "الممانعة والمقاومة" باعتبارها سبباً كما يقولون يسمح بهتك شرايين السوريين.
نخبة مريضة ومفصومة حقاً. كل دماء السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، يتم بيعها اليوم، من اجل الاعجاب بكاريزما الرئيس، أو لاجل التسلل نهاية الأسبوع إلى دمشق،في اجازة ممتعة، أو من أجل دعوة على عشاء.
لم نرَ الطيران السوري ولا الدبابات،لا في الجولان ولا في لبنان، ولا في فلسطين، وكنا دوما نسمع عن "ضبط النفس" الذي اشتهرت به دمشق تجاه كل التحرشات الإسرائيلية، لكننا افتقدنا ذات "ضبط النفس" تجاه أهلنا في سورية.
الأسد شخصية بارزة ولامعة، وعلى جماعته ان ُيميّزوا بين النقد المستند إلى اجندة، والنقد الذي يستند الى مرارة في القلب، سرها اننا لم نتوقع منه ان يدير المشهد بهكذا طريقة دموية، وهذا نقد سببه خيبة الامل،لا الحقد ولا التآمر.
تذكرني كل القصة، بقصة صدام حسين الذي كان معجبوه في عمان،أكثر من محبيه ومعجبيه في بغداد والسليمانية والبصرة والانبار، في مفارقة غريبة حقاً. وإذا كان للاسد جماعته في عمان، فأن الأهم ان يكون له جماعة في دمشق.
إذ يتعشون على مائدة السفير غداً، فعليهم ان يتذكروا دماء السوريين المسكوبة، قبل الحساء الساخن المسكوب في اوانيهم!.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)