الحياصات يكتب: تأسيس حزب المحافظين الأردني "قراءة نقدية وتحليلية"
د.علي النحلة الحياصات
31-10-2024 02:34 PM
أعلنت مجموعة من الفعاليات السياسية والأكاديمية في الأردن عن نيتها تأسيس "حزب المحافظين الأردني"، وهو تنظيم سياسي يهدف إلى معالجة الإخفاقات التي شهدتها المسيرة على الساحة السياسية الحزبية الأردنية. تعكس هذه الخطوة محاولة لجمع القوى السياسية التي تؤمن بقيم المحافظة والهوية الوطنية، لكن هذه المبادرة تستدعي بعض التساؤلات والتحليلات حول أهدافها وتأثيرها.
أحد التصريحات البارزة جاء على لسان العين السابق الدكتور طلال الشرفات، الذي أكد أن الحزب المقترح يمثل "حزباً أردني النشأة والهوى والهُوية والمآل". هنا، يتعين علينا التساؤل: هل تنحصر الهوية الوطنية الأردنية في هذا الحزب فقط، أم أن الأحزاب الأخرى تحمل أيضاً جزءاً من هذه الهوية؟..
منذ تأسيس الدولة الأردنية، اعتُبر تاريخها السياسي تجسيداً لتلاقي العمل الوطني مع مشروع النهضة العربية، حيث تلاقت الحركة الوطنية في الربع الأول من القرن العشرين مع مشروع الشريف الحسين بن علي. لذا، يمكن القول إن الهوية الوطنية هي قيمة مشتركة يجب أن تعززها جميع الأحزاب، وليس حكراً على حزب بعينه.
من الناحية الاجتماعية، يُظهر المجتمع الأردني تنوعاً كبيراً في الآراء والمعتقدات، لكنه يبقى عموماً مجتمعاً محافظاً. يتبنى غالبية الأردنيون قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم بشكل عميق، مما يدفع البعض للتساؤل عن الحاجة إلى حزب سياسي جديد لحماية هذه القيم. في الواقع، يتطلب تعزيز الهوية الوطنية والمجتمعية الأردنية فهماً عميقاً، وذلك من خلال التحرك نحو المزيد من الحوار والتفاهم بين مختلف الفئات السياسية والاجتماعية الأردنية، بدلاً من محاولة احتكار فئة أو جهة أو شخص للدولة الأردنية، وأن هذه الجهة أو الفئة أو الشخص هو الممثل الشرعي والوحيد للدولة الأردنية.
إن التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجه الأردن تتطلب تعزيز وتحصين الجبهة الداخلية وتطوير آليات الحوار بين القوى المختلفة. في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية، يجب على الأردن أن يكون مستعداً لمواجهة الضغوطات الخارجية حول هويته الوطنية. نعم يمكن أن يكون تأسيس حزب المحافظين خطوة نحو ذلك، لكن الأهم هو خلق بيئة سياسية تشجع على النقاش البناء وتعزز التفاهم الاجتماعي وعدم إقصاء الآخر.
إن الجدل حول تأسيس حزب المحافظين يتجاوز مجرد تأسيس كيان سياسي جديد. إذ يتطلب الوضع الراهن إعادة تقييم شاملة لمخرجات منظومة التحديث السياسي في الانتخابات الأخيرة، حيث أشارت نتائجها إلى سيطرة المال السياسي الحزبي والعاطفة السياسية الدينية على معظم مخرجاتها.
بالنهاية، يمثل تأسيس حزب المحافظين الأردني فرصة لإعادة النظر وتطوير نقاش وحوار حول الواقع السياسي والاجتماعي في الأردن. ولكن، يجب أن يترافق هذا التوجه مع جهود لتوحيد الصفوف وتعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف القوى السياسية. الهوية الوطنية لا ينبغي أن تكون حبيسة تنظيم سياسي معين، بل هي مسعى جماعي يتطلب مشاركة الجميع في بناء مستقبل سياسي وحزبي أفضل للأردن.