في الأردن ظواهر عديدة تتسم بالغرابة، فهناك من ملأ الفضاء نفاقًا لأصحاب المراكز من المخلوقات العجيبة للدولة، كأن تسمع: بِكُُم تزهو المناصب!!
وأتته "المناصب" منقادة إليه تجر أذيالها.. فلم تكُ تصلح إلّا له ولم يكُ يصلح إلّا لها.
وكذلك الرجل المناسب في المكان المناسب، وغير ذلك من عبارات النفاق الرسمي!
وهناك في بلادنا فقط، من يطالب بكوتا لغير الأغبياء، كونهم أقلية مهمشة!
المهم، ظهور نفاق جديد اسمه نفاق الوطن!!
(١)
النفاق الوطني!
قال شوقي من عشرات السنين:
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي!
وبعده أنشدنا رائعة فدوى طوقان:
جنة الدنيا بلادي
حبها ملء فؤادي
وهكذا رضعنا حب الوطن، وكان هذا الشعور فطريّا غير مكتسب، ولا يجوز "التكسّب" فيه أو منه! فالشجرة تحب وطنها! ولن يتمكن أحد من اقتلاعها كليّا، فقد يبقى لها بعض جذر أو بذرة لتنمو من جديد!
والحيوانات تحب وطنها، وتحرص عليه، وتعود إليه ولو بعد حين!!
فالنبات يحرص على جمال الوطن وأناقته! والحيوان الوطني يمتاز بأنسه وودّه، وتفوقه! ألا نفتخر جميعًا باللحم البلدي، والسمن البلدي، والبيض البلدي، والجميد البلدي!!! والمنسف البلدي؟!!
إذن؛ العلاقة بين الوطن وكائناته علاقة طبيعية، لا نفاق فيها، فشجرة الزيتون لا تنافق للوطن، بل تقدم له كل شيء، من دون أن تكتب فيه قصائد نفاقية! وكذلك تفعل الحيوانات! وكذلك يفعل المواطن المحترم الأصيل! فلم أسمع فلاحًا، أو عاملًا نافق.
فالوطن حب حقيقي، دليله ما تقدمه له، لا ما تقوله عنه تقربًا!
المنافقون؛ يحلو لهم دائمًا أن يربطوا بين الوطن ومسؤوليه، بدءًا من مختار الحي، والمتصرف وأي ممن يمثل السلطة!
أما حكاية لا نسكن في الوطن، بل الوطن يسكن فينا!، وحكاية نختلف في الوطن ولا نختلف عليه فهي مجرد حكايات إنشائية!
الوطن يسكن في الفلاح، والمعلم، وسائر الناس المتجذرين فيه! أما المنافقون، فالوطن عندهم حقيبة سفر!
(٢)
من هم منافقو الوطن؟!
قلنا بعد شوقي، وفدوى طوقان يكون الكلام مكرّرًا! وهل كل من يتغزل بالوطن منافق؟
الجواب طبعًا لا، إذن؛ من هو المنافق الوطني؟
المنافق الوطني هو من يحتمي بنفاقه لينال منصبًا، أو وظيفة مرموقة عند أصحاب القرار!
ولنا في هذا تجارب، ونماذج عديدة! فكم شخصًا قادته قصيدته إلى المجد، حين يربطها بمسؤول! وكم شخصًا أوصلته ندوة تلفزيونية إلى حيث يريد!
الأردنيون يعرفون ذلك جيدًا أكثر مني! وهكذا يكثر النفاق أمام مفاصل مهمة، مثل الانتخابات، المجالس، اللجان، المناصب… إلخ! وكل منافق يقول: ها أنا ذا!
هذا مفهوم عند المواطنين، اعتادوا عليه، وصار مفهومًا: النفاق طريق للمجد!
لكن ما ليس مفهومًا أن يرتبط النفاق بالوطن، وبما يحيط به من قيم!
(٣)
أين تكمن الخطورة؟
الخطورة في النفاق الوطني تكمن في أنه تضليل، ودفاع عن سياسات لا يمكن الدفاع عنها! لكن الأخطر من ذلك، أن تحتمي بنفاقك الوطني لتهاجم مواطنين وفئات يطالبون بالتصدي لأخطار قادمة، أو من يطالب بالتجنيد، أو من يطالب بنصرة فلسطين، أو مقاومة لبنان!
النفاق هو الاحتماء بمقالة كي تتمكن من شتم المقاومة، وما جرته علينا من خراب ودمار!
أعتقد أن في هذا عدم فهم لموقف الدولة ومحدداتها!
ملاحظة: اشتُم المقاومة، لكن لا تفعل ذلك تحت حماية الوطن!
الناس تعرف المنافقين، فهل يدرك المسؤولون ذلك؟
فهمت عليّ جنابك؟!