بين الضبابية السياسية والنوايا .. لماذا أنا مع حل الدولة الواحدة؟
محمود الدباس - ابو الليث
30-10-2024 10:10 AM
عند النظر بتمعن إلى السنوات الماضية.. وما شهدته الأراضي الفلسطينية من تقطيع وتشتيت للمساحات المتبقية للفلسطينيين.. نجد أن فكرة "حل الدولتين" بدأت تتهاوى أمام حقيقة الواقع.. منذ اقتراحها في اتفاقيات أوسلو والمفاوضات اللاحقة.. طُرحت الدولتان كإطار يعطي الفلسطينيين حقهم على جزء من أرضهم التاريخية.. لكن مع توالي الأحداث.. وابتلاع الاحتلال للمزيد من الأراضي.. وتقسيم الضفة الغربية إلى جزرٍ متناثرة.. وتوسيع المستوطنات.. يبدو أن هذا الحلم بات بعيد المنال.. وفي المقابل.. يطفو "حل الدولة الواحدة" على السطح.. كخيار قد يكون الوحيد المتبقي.. ليس كما تمناه الفلسطينيون.. ولكن كما تُسوقه بعض الأطراف.. على أنه الحل "المنطقي"..
التوجه نحو الدولة الواحدة يجد له أصواتاً بارزة.. ومنها في الكونجرس الأمريكي.. حيث يُعتبر عضو مجلس الشيوخ برني ساندرز.. من الأسماء التي طرحت ضرورة إعادة النظر في الحلول التقليدية لحل النزاع.. حيث نادى في تصريحاته.. بضرورة إرساء حقوق متساوية للفلسطينيين والإسرائيليين.. ضمن إطار يحترم العدالة.. وفي كلمته الشهيرة عام 2021.. أشار ساندرز إلى أن الاستمرار في تقويض حياة الفلسطينيين.. وتحويلهم إلى "مواطنين من الدرجة الثانية".. يضع أمريكا أمام اختبار حقيقي لمبادئها.. وإن كان لا يصرح بدعمه لحل الدولة الواحدة بالمعنى الحرفي.. إلا أن رؤيته حول ضرورة المساواة تفتح المجال لهذا السيناريو..
أما في الجانب الأوروبي.. فقد أظهرت تصريحات بعض وزراء الخارجية.. رغبة في إعادة النظر بواقعية مشروع الدولتين.. ففي عام 2022.. تحدث وزير الخارجية الأيرلندي سايمون كوفيني عن "الدولة الواحدة كخيار مؤلم.. قد يصبح ضرورة.. إذا استمر الاحتلال في رفض حقوق الفلسطينيين".. كما أن البرلمان الأوروبي.. شهد مؤخراً نقاشات تدعو لبحث خيارات "غير تقليدية".. ومع أن هذه الأصوات لا تتبنى علناً حل الدولة الواحدة بمفهومها الكامل.. إلا أن بين طياتها دعوات للتعايش المشترك.. ضمن كيان واحد.. الأمر الذي يظهر تناقضاً في مواقفهم المعلنة والمخفية.. فهم يسعون إلى تهدئة الوضع.. لكنهم في الوقت ذاته لا يدعمون فلسطينياً حقيقياً..
أمّا إيران.. فكان موقفها أكثر تناقضاً.. إذ أعلنت مراراً معاداتها للكيان الإسرائيلي.. ووقوفها مع "القضية الفلسطينية".. إلا أن تصريحات وزير خارجيتها عباس عرقجي مؤخراً.. دعت الفلسطينيين إلى "القبول بحل الدولة الواحدة" والتعايش ضمن دولة ديمقراطية.. تصريحات تحمل بين سطورها دعوة صريحة للتنازل عن مشروع الاستقلال.. مع أنه يتناقض تماماً مع الرواية الإيرانية.. التي تهاجم الكيان .. وتعتبره كيانا محتلاً.. وغير شرعي.. من جهة.. ومن جهة أخرى.. تضغط على الفلسطينيين للقبول بالعيش تحت حكمه.. وكأنها تروج لحل يستفيد منه الاحتلال أكثر من أي طرف آخر..
ومع تصاعد الحديث عن هذا الحل من أطراف تبدو متعارضة في ظاهرها.. يتكشف مدى الجدية وراء دفع المشروع الاحتلالي نحو دولة واحدة بمفهوم "ديمقراطي" أساسه يهودي.. فمن ناحية.. تروج الأحزاب اليمينية الإسرائيلية لحكومة تسيطر على كامل فلسطين التاريخية.. مع بقاء الفلسطينيين كمواطنين ثانويين.. وفي الوقت ذاته.. تتردد تصريحات المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين وحتى الإيرانيين.. حول "التعايش" و"المساواة".. وهي شعارات تبدو في ظاهرها عابرة للقوميات.. لكنها تفتح المجال لمخطط يبقي الفلسطينيين تحت نظام عنصري.. مغلّف بالشرعية الدولية..
وفي نهاية هذا السرد.. فإنني ككاتب عربي أنظر إلى "حل الدولة الواحدة" من منظور مختلف.. إذ أنني لا أجد هذا الحل خاطئاً كفكرة.. لكن شريطة أن تكون "دولة فلسطينية عربية مسلمة".. تتسع لكل من يعيش على أرضها بكل طوائفه وانتماءاته.. دولة تضمن العدل والمساواة الحقيقية للجميع.. وليست دولة يهودية.. تستغل الديمقراطية لتكريس الهيمنة..