في عصر التحول الرقمي الذي نعيشه.. أضحت الحسابات الإلكترونية.. أصولاً ثمينة تضاهي العقارات.. أو الاستثمارات التقليدية.. إذ نجد حسابات تملك ملايين المتابعين.. وتجلب أرباحاً تتجاوز أحياناً مئات آلآف "الدولارات" من الإعلانات والشراكات.. بعض هذه الحسابات بدأها أحد الشريكين قبل الزواج.. والبعض انشأها الزوجان معاً.. ومع مرور الوقت وتزايد الشهرة والدخل.. تحولت هذه الحسابات إلى مورد اقتصادي مشترك قد يثير نزاعات معقدة عند حدوث الطلاق أو الوفاة..

على سبيل المثال.. في كندا.. اشتعل نزاع قضائي بين الزوجين كاتي بيتس ونيكولاس لوي.. حول ملكية حسابات مشتركة ضخمة على وسائل التواصل الاجتماعي.. حيث كانا يديرانها بنجاح معاً.. وجذباً آلاف المتابعين.. إلا أنه بعد الطلاق.. تحول الحساب إلى محور جدل حول الحق في الملكية والأرباح.. حيث طالب كل منهما بحصة.. باعتبار أن النجاح كان بفضل الجهود المشتركة.. مما اضطر القضاء للتدخل.. وتقييم جوانب غير مألوفة.. مثل حقوق المحتوى.. وسجل تفاعل المتابعين.. وفي النهاية.. حكمت المحكمة باعتبار هذه الحسابات "أصولاً مشتركة".. توجب تقسيمها كما تُقسم الممتلكات الزوجية..

وفي الولايات المتحدة.. شهدت قضية مماثلة بين الأخوين كيفن وبرايان فوستر.. اللذين أسسا حساباً مشتركاً على يوتيوب.. حصد شهرة وأرباحاً طائلة.. ولكن نزاعاً نشب بينهما.. حول حق إدارة الحساب.. بعد أن طالب أحدهما بإلغائه.. بينما تمسك الآخر بحقه في استثماره.. هذه القضية مثلت نقلة نوعية في تصنيف الحسابات الإلكترونية كـ"ملكية رقمية".. حيث اعتبرت المحكمة الحساب ملكية مشتركة.. وتوجب على كل طرف احترام حق الآخر في الاستمرار وفق مساهمته..

هذه القضايا الدولية.. تطرح تحديات ملحة على التشريعات في بلادنا العربية.. فالحسابات الإلكترونية لم تعد مجرد مساحات تفاعلية.. بل أصبحت ثروة رقمية.. تتطلب قوانين مدنية وشرعية.. قادرة على حل هذه النزاعات.. فالتحدي يظهر بوضوح في حالتين..
الأولى عند الطلاق أو الانفصال.. حيث يتساءل الطرفان عن حقوقهما في الحساب الذي كان شراكة بينهما.. سواء كان بجهود مباشرة من الطرفين.. أو بمساهمة غير مباشرة.. مثل توفير الوقت والدعم.. والذي مكن أحدهما من إدارة الحساب..
أما الحالة الثانية.. فهي وفاة أحد الشريكين أو كلاهما.. ليظهر السؤال حول كيفية توزيع هذا الحساب كوراثة رقمية.. فهل يحق للورثة نصيب من الأرباح.. أم أن الحساب يبقى محصوراً بين الشريكين الأصليين فقط؟!..

ولا ننسى الحسابات المشتركة بين الأصدقاء.. أي الشركاء التجاريين من غير الازواج.. إذ يتطلب الأمر أيضاً حلولاً قانونية لمعالجة حقوق الشركاء عند حدوث خلافات بينهم.. هل يتم تقاسم المكاسب.. حسب نسبة مساهمة كل طرف.. أم يُعتبر الحساب ملكية مشتركة تتطلب التوزيع بالتساوي؟!..

إن المسؤولية الكبرى هنا تقع على عاتق القُضاة والمحامين.. إذ ينبغي عليهم دراسة أبعاد هذه القضايا الرقمية المعقدة بحكمة وتعمق.. وتطوير رؤية قانونية تتماشى مع تحديات العصر الرقمي.. وعلى أصحاب الحسابات الإلكترونية.. أن يعوا أهمية توثيق العلاقات الرقمية بعقود واضحة منذ البداية.. تضمن حقوق الجميع.. وتحدد آليات التقسيم حال نشوب نزاع.. فما يبدو بسيطاً في بدايته.. قد يتحول في لحظة الخلاف إلى مصدر للتوتر والصراع..

في نهاية المطاف.. علينا ان نعي.. بأنه أصبح من الضروري إعادة النظر في قوانيننا ورؤيتنا.. لتتضمن معايير واضحة.. للتعامل مع هذه الأصول الرقمية.. سواءً في حالات الطلاق.. أو الوراثة.. او حتى الخلافات بين الشركاء.. ولتجنب التوترات الاجتماعية والنزاعات القانونية.. التي قد تنتج عن تجاهل هذه القضايا المهمة..