بين مرآة الواقع .. وبوصلة التغيير ..
محمود الدباس - ابو الليث
27-10-2024 05:58 PM
عندما تختلط الأمور.. وتدلهم الخطوب.. نبحث عن أناس يرشدوننا.. ويرسمون لنا معالم الطريق.. فنجد أنفسنا تائهين بين مفَكٍرٍ ومثقف.. وفي سعينا للفصل بين المثقف والمفكر.. نجد أننا أمام مستويين من العمق والقدرة على التأثير.. بين انعكاسٍ مباشرٍ للواقع.. وتصورٍ مبتكرٍ لمستقبل أكثر إشراقاً..
فالمثقف هو ذاك الذي يمتلك مخزوناً كبيراً من المعرفة.. يقرأ.. يحلل.. ويفسر.. ليقدم للناس صورةً عن الواقع.. تساهم في توعيتهم وتوسيع مداركهم.. إنه المرآة التي تعكس مشكلات المجتمع.. وتشرح أبعادها.. ولكنه غالباً يبقى في حدود التحليل والتفسير.. دون السعي لإعادة تشكيل هذا الواقع أو تجاوزه..
أما المفكر.. فهو مستوى آخر من التأثير.. يتطلب أن يكون الشخص مثقفاً بالأساس.. فالمعرفة هنا ليست هدفاً بحد ذاتها.. بل أداة لبناء منظومات فكرية جديدة.. المفكر لا يكتفي بتفسير الواقع.. بل يصوغ من المعارف رؤى تفتح آفاقاً أبعد من حدود الزمان والمكان.. إنه يجترح أفكاراً تتجاوز الأسئلة التقليدية.. ويرسم مسارات جديدة.. جاعلاً من الفكر وسيلة لتغيير الحاضر نحو مستقبل أفضل.. وبهذا.. لا يمكن أن يكون المفكر مفكراً دون ثقافة عميقة.. بينما قد يبقى المثقف أسير اللحظة الراهنة.. دون أن يصل إلى عمق الفكر ورؤاه الاستشرافية..
وعندما نتساءل عمَّن يستطيع القيادة.. نجد أن المفكر أكثر قدرةً على ذلك.. لأنه يحمل الرؤية التي تتجاوز الأحداث.. ويملك الفكر الذي يستشرف الحلول الجذرية.. ففي النوائب.. يُستشار المثقف لفهم أبعاد الأحداث وتفسيرها.. ولكن المفكر هو من يقود نحو طريق الخلاص.. لأنه يتجاوز التفسير إلى صياغة رؤى جديدة.. فنجد أن المفكر هو الملاذ الأعمق.. والصخرة التي يستند إليها المجتمع عندما تتلاطم أمواج التحديات.. لأنه يقدم رؤىً تتجاوز الحلول المؤقتة.. ويساعد على رسم مساراتٍ تفتح لنا سبل الخروج نحو مستقبلٍ أكثر ثباتاً..
لذلك.. ما أحوجنا إلى مفكرين يمتلكون الشجاعة لرؤية الأمور من زوايا لم تُطرق من قبل.. نحتاج إلى من ينير لنا دروب التغيير.. ويحوّل الأزمات إلى فرص.. ففي عالم ضجيجه بالسطحية.. يصبح المفكر ضرورةً لا غنى عنها.. لأنه ليس مجرد صوتٍ عابر.. بل هو نبراس الحكمة والنور.. وسراج الدروب المعتمة نحو نهضةٍ تنير الطريق..