البادية الأردنية .. مرصد فلكي مفتوح
عبدالرحيم العرجان
27-10-2024 10:40 AM
ما إن تبتعد عن أضواء الحضارة والمدينة وتدخل بعمق البادية حتى تفتح أمامك صفحة السماء لتكشف لك ما فيها من نجوم وأسرار.
وبعد ساعتين من القيادة وصلنا فيضة الضاحك المحمية الطبيعية الواقعة تحت إدارة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة والمعتمدة دوليا من الإتحاد الدولي لصون الطبيعة ومواردها، والتي تحدثنا عنها سالفا بمقال سابق، إلا أن زيارتنا اليوم ليلية بهدف متابعة واقتناص اللحظة لمشاهدة ظاهرة شهب الجباريات إحدى أجمل أحداث الشهب السماوية التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة دون الإستعانة بأدوات الرصد الفلكي.
مسار الضاحك..
كان اختيارنا للموقع لبعده التام عن الأضواء وانعزاله بقلب البادية والإستمتاع بمسارين أحداهما مع وقت الغروب والآخر صباحي بإجمالي مسافة بلغت 20 كلم، فبعد أن سلمنا أدوات التخييم لمقدم الخدمة والإتفاق معه على اللقاء عند موقع الصخرة الشبيهة بالسفينة أخذنا مسارنا فوق الحيد العلوي الذي يتيح لنا مشاهدة الغروب بشكل كامل مع انعكاس الشفق فوق الشظايا الصوانية، ويتيح لنا المسار مشاهدة موقع الفيضة البيضاء بجوفها الهابط وتكويناتها المذهلة من أعلى بمسار سهل عديم العوائق، إلى أن بلغنا موقع تخييمنا حسب الإتفاق.
لم يحتاج بناء المخيم من الوقت الكثير كون الخيم فردية وتم تجهيز موقد النار وجمع عصا الغضا المعروف بحرارتة وديمومة جمره لوقت طويل، والبدء بتجهيز طعام العشاء وقمنا بنصب دلال القهوة وتعمير إبريق الشاي تجهيزا لسهرة نستمتع بها بظاهرة شهب الجبارايات التي علمنا عنها من تقويم منظمة الشهب العالمية.
شهب الجباريات..
سميت بالجباريات نسبة لكوكبة الجبار والمؤلف من عدة نجوم والتي إن وصلتها بخط افتراضي تأخذ شكل محارب ذي رأس وأرجل، تظهر بالسماء إثر مرور كوكبنا في بقايا غبار مذنب هالي الشهير، وتعتبر من أفضل زخات الشهب وأجملها على الإطلاق والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة الأمر الذي أكدت على ظهورها بمنطقتنا وكالة ناسا للفضاء، وهو ما حفزنا للذهاب والإستمتاع برصدها تاركين ضوضاء المدينة بوسط الأسبوع.
فما أن فرغنا من عشائنا تم إطفاء ما معنا من أنوار وتخفيف وهج نار الموقد استعدادا لترقب هذه الظاهرة، فكلما انعدم الضوء كانت المشاهدة أدق وأوضح والعين البشرية تتكيف لذلك، حتى توالت الشهب واحدا تلو الآخر تشكلت إثر احتراقها بدخولها الغلاف الجوي على ارتفاع بين 70 و 100 كلم بوميض يستمر بضعة ثواني إثر سرعتها البالغة 66 كلم بالثانية تقريبا.
وظهور زخات الشهب تناولته الأديان السماوية والوضعية كما ربطه الإنسان الأول والمعتقد الشعبي بنذير شؤم أو اعتبارها فأل خير كما يقال بالعامية، وفي القدم وضع أصحاب الحضارات القديمة كالمصرية والبابلية تقويم لبيانات الأحداث السماوية حسب معتقدهم وما أوتوا من علم، ومن أبرز الأحداث التاريخية ظهور مذنب بعد مقتل يوليوس قيصر إذ أنه ذكر في ملحمة "الإلياذة"، ودونها أيضا المؤرخ الروماني كاسيوس بأنها من أعاجيب وفاة الملكة كليوبترا، كما سميت شهب البرشاويات نسبة للبطل اليوناني برشاوس الإبن الأسطوري لزيوس والأميرة داناي المتأتي من شهب المطر السماوي الذهبي.
وفي تجوالنا الليلي رصدنا وتتبعنا الكثير من الأحداث الفلكية من شهب التوأميات والأساديات وظهور التنين، وقمر الحصادين والعملاق والأزرق، بمواقع مختلفة في باير حين كانت تنعكس على صفحة ماء السد الركامي فوق جبال ضانا والأجمل كان بين جبال وادي رم وعربة فلكل مكان خصوصيتة.
مسار الصباح..
استمرت الرشقات النارية حتى ساعة متأخرة من الليل لمحنا فيها ما يقارب خمسين شهابا وبعد أن خفّت،خلونا إلى أكياس النوم في جو تدنت فيه درجة الحرارة كثيرا وقد لمسنا برودة الأرض ،ولمنع هذا الصقيع من أن يتخلل لفراشنا قمنا بفرش عازل خفيف أسفل كيس النوم ، وبعضنا استخدم فرشة هوائية يتم نفخها مخصصة لهذه الغاية ،كما يمكن وضع طبقة نايلون فوق فراشك لمنع الرطوبة والندى ويرفع درجة حرارة الفراش وهو ما تعلمناه من تجوالنا في جبال الهيمالايا.
وبعد سويعات من النوم نهضنا مع الصباح الباكر لتوضيب مخيمنا وتسليم متاعنا لرفيقنا الذي سوف يوصله إلى نقطة البداية حيث تم تأمين سياراتنا قرب بيته والقيام بمسارنا بين تشكيلات صخرية عجز عن نحتها امهر الحرفين.