وصلتني رسالة مكتوبة بخط اليد وجدتها صباح الاحد الفائت تحت باب مكتبي الخاص ،حملت توقيع واسم :"المواطن سليم ،ورد فيها كلام موجع عن واقع الحال الاسري ،وكيف ان الرجل يحتار في تدبير عشاء اطفاله بعد يوم عمل شاق يسترزق فيه ما تيسر من مال بالكاد يكفي لاطعام ابناءه الخمسة .
المواطن سليم ،طلب ان اكتب عن الفقر والجوع والبطالة والفساد ..واشياء اخرى وها انذا احترم رغبته في الكتابة ،فهذه مساحة خاصة لشيء عام ،رغم مئات المقالات التي كتبتها في هذا الصدد ،ولم يكن اخرها حول :"المنهورين والمقهورين " التي عقبت عليه الزميلة المحترمة توجان فيصل بمقال اخر لها نشر في اسبوعية مصرية ،واستشهدت فيه بمفردة "المنهورين" ،كونها اعمق تعبيرا في وصف حال الناس والفقراء.
سليم :تسلمت رسالتك ،وقرأت تفاصيل كلماتها ،وتخيلت كم من الدموع انهمرت على خديك وانت تكتب بها عن واقع الحال ،الذي يزداد سوءا ،وادركت وانا اقرأ كم هو حجم الوجع الوغل في غالبية شعبنا ،وكم من الصبر صرف حتى امضى اكثر من نصف العمر ،وغالبيته يعيش على امل الغد ..وادركت ايضا حتى امسكت بتفاصيل يومياتنا في ظل تغول وتمدد الجوع الذي يفترس احلام الغالبية من فقراء المدينة والريف والبادية والمخيمات ،وادركت من رسالتك يا سليم ،كم هو مقيت الشعور بالغربة وانت في الوطن .
نتحدث بصوت مسموع ،ونفكر بصوت عال :ثمة جوع استشرى بين الجموع ،وغلاء فاق المألوف ،وانحسار بقيمة سيولة النقد امام تدفق الاحتياجات الضرورية ، وثمة فقر فاق المدقع ،وبطالة دوائرها تتسع ،وفساد صار يمشي على ارجل مثل "الضباع الكاسرة" ..وحكومتنا غير الرشيدة غير معنية بهذه التفاصيل لكأننا ننتم الى عشيرة "الهنود الحمر" .
سليم :اعرف ان البعض غارق في الخطيئة لاذنيه ،ويتلذذون بمال حرام ،ويوم حرام، وخبز حرام، ويختمون يومهم بليل حرام ، يحصون ما جمعوه ويتقاسمون الثروة :"هذا لكم،وهذا للحكومة، وهذا للشعب " ، ثم تطفأ الانوار ويغطون في نوم عميق على صوت سمفونية راقصة انهتها جارية قبل قليل .
واعرف كما تعرف انت ،ان البعض غارق في الجوع ،حد التواء الخواصر ،جراء كثر الشد ع.الاحزمة ،وما ان يجيء المساء حتى يحتاورن في كيفية تدبير امر عشاء صغارهم ،وعلى حين غرة تتيسر الامور :"ان مع العسر يسرا.."تقرأ انت ما تيسر من القرآن حامدا وشاكرا وراضيا ،ثم تقص في صوت مسموع على اطفالك حكاية "الفساد والسبعين حرامي " فتقهقه ام العيال وتطلب منك النوم مبكرا ؛فالليلة الجمعة ومن حقها ان تسمع قصة "ليلى والذئب" بعيدا عن الابناء.!
واعرف جيدا يا سليم ،ان ما جاء في رسالتك موجع حد الانبهار ،وحد الانكسار ،ومبكية حالتنا حد الضحك بملء الاشداق ،مثل طير ذبيح ،او شاه تشخل بدمها في يوم عيد الاضحى ،يذبحونها ويغشون في توزيع حصصها :"يأخذها الابعدون..فيما يتم اسقاط الاقربون واهل الدار" ..بالضبط يا صاحبي مثل :"هذا لكم وهذا للحكومة وهذا(!!!) للشعب .!!هل فهمت قصدي، يا سليم.!!
adnandyab@yahoo.com