هل فقد القانون الدولي الإنساني قدرته على حماية الصحافيين؟
د. أشرف الراعي
27-10-2024 09:00 AM
كوارث إنسانية واعتداءات جسيمة على الصحافيين، مع انتهاكات صارخة لحقوقهم في عملهم وتهديد مباشر لحياتهم، هو الواقع الذي يعيشه الصحافيون في قطاع غزة المنكوب بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، وهو نهج تتبناه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لمنع أي صوت غير صوت آلتهم العسكرية، لا سيما الصحافيين الذين يحاولون كشف السياسات والانتهاكات الصارخة التي تحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا كله يمثل جزءاً من سلسلة واعتداءات جسيمة تضاف إلى قائمة طويلة من الضغوطات والجرائم التي يتعرض لها الفلسطينيون الذين فقدوا خلال عام واحد مئات الصحافيين، وأكثر من 43 ضحية، فضلاً عن وقوع نحو 100 ألف مصاب جلهم من النساء والأطفال، من دون أن يحرك "العالم الأعمى" أو المتعامي إن جاز التعبير (إلا النذر اليسير) ساكناً تجاه مأساة هي الأقسى في التاريخ الحديث والقديم.
والمتتبع لسلسلة الهجمات يعرف تماماً أنها تمثل توجها ممنهجاً يهدف إلى كبح جماح الحقيقية، ومنع وصولها إلى العالم، ولا أدل على ذلك من التقييد الذي شهدته المنصات الرقمية مع بداية هذه الحرب، في انتهاك صارخ لمبادئ حرية الصحافة، التي تعد ركيزة أساسية في المجتمعات الديموقراطية وحقاً يكفله القانون الدولي، ومبادئ باريس والتحالف العالمي لمؤسسات حقوق الإنسان والجهات الدولية المعنية بحرية الصحافة والإعلام، مع خرق واضح لاتفاقيات جنيف.
وللتذكير تنص اتفاقيات جنيف بشكل واضح على حماية الصحافيين المدنيين أثناء النزاعات المسلحة؛ فالمادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، تؤكد على وجوب حماية الصحافيين واحترامهم كمواطنين مدنيين، وعدم استهدافهم بأي شكل من الأشكال، ورغم وضوح النصوص القانونية الدولية، تواصل إسرائيل انتهاك هذه الاتفاقيات من خلال استهداف الصحافيين بشكل مباشر.
إن هذا السلوك الإسرائيلي يعكس أيضاً سياسة الإفلات من العقاب، حيث أن غياب المساءلة الدولية يشجع على تكرار هذه الجرائم بحق الصحافيين، ورغم الإدانات الدولية المتكررة، لم تتم محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم على النحو الذي يستوجبه القانون الدولي، كما أن المجتمع الدولي، ورغم إدراكه لخطورة هذه الانتهاكات، لا يزال متخاذلاً في اتخاذ إجراءات حازمة لوقف استهداف الصحافيين في غزة؛ فالإدانات والتصريحات الشفوية، رغم أهميتها، لم تعد كافية؛ إذ يتطلب الوضع تدخلاً فعلياً يهدف إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم بموجب القانون الدولي، حتى لا يعد ذلك شراكة ضمنية وتواطؤاً مع الاحتلال.
لذا أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى، أن يتم تعزيز حماية الصحافيين في غزة وفي كل مناطق النزاعات المسلحة؛ فحماية الصحافة الحرة والمستقلة هي ضمانة لحقوق الإنسان وللوصول إلى الحقيقة، واستهداف الصحافيين يُعد جريمة مزدوجة: فهو ليس فقط اعتداءً على شخص الصحافي، بل هو أيضاً محاولة لقتل الحقيقة ومنعها من الوصول إلى الجمهور العالمي، وهي دعوة للمجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته تجاه الصحافيين في غزة، وأن يتحرك بجدية لوقف استهدافهم ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، كما يجب أن تكون حرية الصحافة في المناطق المحتلة خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، وإلا فإن العالم سيفقد بوصلته الأخلاقية ويصبح شريكاً في التعتيم على الجرائم والانتهاكات التي تحدث في الظل.