كم من رجالٍ تمنى على الله أن يُمَكَّن له في الأرض، معاهدًا وطنه: "لئن آتاني الله قوة لأُحدثن في الأرض فرقًا، ولأبدلن بؤس الناس أنسًا." ويهيب بالناس قائلاً: "رصوا الصفوف ليكونوا لي سندًا"، فإنه لا يمثل شخصًا وإنما هو فكرة ومبدأ يسري في العروق ويذكي العقول.

فوهبه الله ما تمنى، وآتاه من كل شيء سببًا، فلما رآه حاضرًا بين يديه لم يستطع له صبرًا، طالبًا أن يتبع سببًا. ولما بلغ الأمر، خانته الذاكرة، وتطايرت وعوده فلم يعد يذكر منها عهدًا، ولم يجد الحبر على أجندته لها أثرًا

إن قيادة التغيير في الإدارات العامة تتطلب وجود رؤية واضحة شاملة، وتحديد الأهداف الاستراتيجية وفق الرؤى والأولويات الوطنية، وحشد الجموع وتوجيه الجهود للهدف الواحد، وخلق حافز للتغيير، حيث الربح نصيب الجميع، وأننا شركاء في التغيير. وكذلك التزام الإدارة وأخلاقيات القيادة ومساءلتها عن النتائج والآثار، وليس مجرد قراءة صماء لما تعرضه الأرقام على الشاشات والفعاليات. تواصل دائم مع جميع الأطراف، فكلنا من تراب وليس للإنسان إلا ما سعى، تخطيط متكامل، وأفعال موزونة، وتنفيذ تدريجي باعتبار الزمن عاملًا مهمًا لإحداث التغيير ضمن مراحل متتالية، وتجنب للوثبات العشوائية والحركات الجنونية التي تستدرج الكاميرات لتسجيل السبق الصحفي. عمل متراكم وتجنب البدايات الصفرية التي تكفر أفعال من سبق، وتعطي العصمة للفعل اللاحق، والتركيز على البناء الداخلي قبل الإصلاح الخارجي، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، واستخدام ذكي ويقظ للتكنولوجيا لاستغلال المعلومات في اتخاذ قرارات ناضجة وفق حقائق واضحة، ووضع آليات لمراقبة الأداء وتقييم النتائج.

نريد قائدًا بشجاعة ذي القرنين في مواجهة فساد يأجوج ومأجوج، واتخاذ القرارات الصائبة في بناء البنيان وتشييد العمران، قائدًا ذكيًا فطنًا، بحنكته يدير الأزمات ويتكيف مع الظروف والمتغيرات ويعدل برشاقة ومرونة، ويحل المشكلات ويدير الصراعات، قائد في الأمام لا يختبئ خلف الناس في المصاعب والملمات لا يذهب عن كبش فداء، وإنما لديه الاستعداد لدفع الأثمان، ويتمتع بمهارات التخطيط ومتابعة التنفيذ، ويركز على النتائج، والإلهام، والتأثير، والتواصل الفعال، وبناء العلاقات مع جميع الأطراف، ملتزمًا دائمًا بالقيم والأخلاق والنزاهة ونظافة اليدين.

نريد قائدًا يحسن إدارة دفاتره اليومية استعدادًا للجرد والتسويات النهائية لقياس الأثر وفَرْق القيمة، قائدًا لا يكل ولا يمل، يعمل دؤوبًا، ويستفرغ جهده حتى يرمي عصا السنوار ليكون شاهدًا على عصره ويسجل اسمه في سطور التاريخ بأن "فلان مر من هنا وهذا أثره."

* اختصاصي التطوير المؤسسي

(Kifaya2020@gmail.com)