تعقيبًا على مكالمة إحدى المتصلات التي تواصلت بها مع أحد البرامج التلفزيونية، شرحت الواقع الحاصل داخل مجتمعنا. تحدثت بقلب محروق عن واقع أصبح أشبه بحياة تخلو من أدنى مستويات المعيشة، واقع أصبح يُرثى له.
كم تمنيت يومًا أن نزهر وأن نعيش كما تخيلنا، وكم تمنيت أن تخلو الأرض من المشاكل، وكم تمنيت أن نكون كما يجب أن نكون. إلا أن كل ذلك لم يكن إلا أحلامًا نعيشها ليلاً لنبدأ صباحًا يعيدنا إلى النمط الحقيقي لواقع الحياة.
عندما يكون الظلم هو الطريق الذي يتبعه الجميع، وعندما ترى أن يد الظلم استطاعت أن تستمر في الظلم، ستعلم أن الحياة لن تُعد تصلح أن تُسمى حياة.
حقًا، أصبح الواقع يتحدث عن الأشخاص الذين تحدثت عنهم، وأصبحت المبررات هي الطريق الوحيد الذي يتبعه الجميع، مع مكونات أصبحت محفوظة، وهي أن الشاب الأردني لا يقبل العمل في العديد من المهن المتاحة في السوق.
هل يعلم الجميع عن ما يتقاضاه الشاب الأردني مقابل ما يتقاضاه العامل الوافد؟ وعندما تكلمت عن أحد أبنائها الذي يعمل بنفس المكان الذي يعمل به أحد الوافدين من الجنسيات الأخرى، فإن نجلها يتقاضى ما نسبته مئتان وستون دينارًا مقابل ما يتقاضاه العامل في نفس المكان، والذي يصل إلى خمسمئة دينار أردني. هل تعتبر هذه المعادلة صحيحة بنظر من يرى أن الشاب الأردني لا يفضل العمل؟ الاستغلال أصبح الطريق السهل لتحقيق الغايات وإشباع النفس بالقناعة المزيفة. اليوم، أصبحنا نرى الشاب يمتلك أعلى مستويات التعليم ويعمل بمهنة عامل وطن أو بوظائف أخرى داخل المجتمع المحلي.
أصبحت الظروف المؤلمة قادرة على إجبار الشباب على السير نحو طرق مجهولة، مما أدى بهم إلى الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية، وما ترتب على ذلك من أضرار كالسجن وما شابه.
رفع الحد الأدنى للأجور أصبح مطلبًا ضروريًا، وكذلك الضمان الاجتماعي. الكثير من المؤسسات أصبحت تبحث عن العمال مقابل عدم المطالبة بحقوقهم في الضمان الاجتماعي تحت بند إنهاء الخدمات دون أدنى مسؤولية، أو مقابل رواتب لا تكفي لتغطية تكاليف الذهاب إلى مكان العمل. فتح باب الاستقدام ليس حلًا، فقد أصبحت البيوت مليئة بمن يريد العمل. اليوم، تجاوز الشباب ثقافة العيب، إلا أن الاستغلال كان الطريق الصعب والعائق الوحيد لاندماجهم في سوق العمل.
جميعنا يرى محطات المحروقات، كم كانت في السابق تخلو من الشباب الأردنيين، إلا أنه اليوم تجد أن كادر المحطة كامل من الأردنيين الذين يملكون أعلى الدرجات العلمية، منهم الماجستير والدكتوراه والعديد من الشهادات، وأقلها الثانوية العامة.
يجب على الحكومة أن تعيد النظر فيما تحدثت عنه وأن تمنح الفرصة للشباب بكل صدق لإبراز قدرتهم الحقيقية على العمل. الوطن يجب أن يوفر الفرص لأبنائه، لا للوافدين. اليوم، أصبحت العديد من المهن يعمل بها الأردنيون، ولم نعد بحاجة لبعض العمالة الوافدة، بقدر ما أصبحنا بحاجة إلى دراسة السوق بكل دقة.
منذ سنوات، ونحن نرى الإعلانات السنوية لمراكز التدريب المهني في العديد من محافظات المملكة، ونلاحظ ما تقدمه الشركة الوطنية للتدريب من دورات تدريبية للعديد من المهن. وقد لاحظنا الإقبال الشديد على الالتحاق بها. لماذا نحاول توجيه الشباب نحو التعليم المهني، وفي نفس الوقت لا نوفر لهم الدعم الكافي للاستمرار فيه؟ يجب أن نساند الشباب، حتى لو بالقليل، من أجل مصلحتهم ومصلحة الوطن.
نحن مع إعادة خدمة العلم للشباب العاطلين عن العمل، وأن تكون المدة المحددة مقسمة بين التدريب العسكري والمهني. يجب على الحكومة اليوم أن تستثمر في أبنائها وأن تقدم ما تستطيع. الاستثمار في الشباب هو من الاستثمارات الحقيقية التي يجب أن تُعطى الأهمية الفعلية، ونجاح أي دولة لا يأتي إلا من نجاح أبنائها.
نحن مع الوطن وازدهاره، فالوطن هو الأم والأب، وهو المنبت الحقيقي لبنيتنا وأساس طفولتنا. من واجبنا أن نساهم، حتى لو بالقليل، من أجله.
حفظ الله الوطن وأدام عليه نعمة الأمن والازدهار..