خطبة الجمعة واثرها في تحقيق الأمن والسلم المجتمعي
د. محمد العايدي
26-10-2024 12:57 AM
خطبة الجمعة تعد منبرًا دينيًا وإعلاميًا مهمًا في حياة المسلمين، حيث يجتمع أفراد المجتمع أسبوعيًا في مكان واحد لتوجيههم وتذكيرهم بقيم الإسلام وتعاليمه، وتكمن أهمية خطبة الجمعة في أنها فرصة فريدة للإمام لتوعية الناس بقضايا الدين والحياة، ولتصحيح المفاهيم الخاطئة، وإرشادهم إلى السلوك القويم.
تلعب الخطبة دورًا محوريًا في تحقيق الأمن والسلم المجتمعي، حيث تركز على نشر قيم التسامح، والعدل، والرحمة بين الناس، وتشجع على الحوار والتعايش السلمي بين مختلف فئات المجتمع، كما تساهم في تهدئة النفوس وتحقيق الوحدة، من خلال الدعوة إلى نبذ العنف والكراهية، والتأكيد على أهمية التعاون والتآزر لبناء مجتمع آمن ومستقر.
لذلك، فإن خطبة الجمعة تمثل وسيلة فعالة في تعزيز الاستقرار الاجتماعي، ونشر الوعي الديني الصحيح، ومواجهة الأفكار الهدامة التي تهدد أمن وسلامة المجتمعات.
ومن أجل تحقيق هدف الخطبة وأثرها في المجتمع بتحقيق الامن والسلم المجتمعي لا بد أن نؤكد على أن هناك قواعد لا بد منها:
القاعدة الاول : التاكيد على المعاني الكلية التي تراعيها الشريعة الاسلامية وعدم جواز اهمالها ومنها:
اولا: ربط السامع بالله تعالى والتركيز على المعاني الايمانية والثوابت القرانية التي تعزز وتحصن المسلم من الافكار التي تحاول هدم هذه الثوابت ونقصد بالثوابت المتفق عليها في الشريعة وليس المختلف فيها بين الفقهاء كالتوكل على الله والتفكر في مخلوقات الله تعالى والاكثار من ذكره والصلاة على نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وزرع هذه المعاني في النفوس بحيث مع تكرارها على المسامع تصبح شيء اساسي في حياة المسلم اليومية والتي من خلالها تزرع مراقبة الله في قلوب الناس والتوكل عليه وتجعلهم اكثر تحملا للمصائب والابتلاءات التي قد يتعرضون لها، وغيرها من المعاني ذات الصلة التي تزرع الايمان في قلوب الناس وتجعلهم اقرب الى الله تعالى مما يحقق السلم والامن في المجتمع .
ثانيا: دعوة السامعين من ابناء المجتمع الى التخلي عن المعاني السلبية كالغش والحسد والبغضاء وحب الدنيا والرشوة والتباغض والافكار المتطرفة الهدامة كالتكفير والتبديع والتفسيق للناس لأي مخالفة من المخالفات أو أي اختلاف بينهم وكذا التنبيه على العادات السيئة التي تخالف تعاليم الاسلام كغلاء المهور واطلاق العيارات النارية في الافراح وغيرها وكذا الصفات الذميمة التي نهت عنها الشريعة من اجل تزكية النفس الانسانية من رذائل الصفات التي تضر بالمجتمع وتهدد امنه وسلمه المجتمعي كالبخل والجبن والظلم وعيرها بحيث ان كل هذه المعاني والصفات والعادات السلبية تضعف المجتمع وتزيد من فرقة وانقسام ابنائه.
ثالثا: دعوة الناس الى الفضيلة بفعل الخيرات وترك المنكرات وحثهم على التكاتف والتعاون على البر والتقوى ومساعدة الفقراء والمساكين وطلبة العلم وفعل الصدقات الجارية التي تحصل النفع والاجر لفاعليها في الدنيا والاخرة فهذه المعاني التي تحث على فعل الخير والبر تساعد على الاستقرار المجتمعي والتقليل من الجريمة والانحرافات السلوكية بشكل كبير.
رابعا: التاكيد على معاني الوحدة بين الناس والتخلي والترفع عن سفاسف الامور والخلافات التي تؤدي الى الفت في عضد المجتمع وتمزيقه لان الوحدة بين المؤمنين تعتبر من مقاصد الشريعة والمعاني الكلية التي دعت إليها في كثير من النصوص القطعية والتي تؤدي بدورها الى قوة المجتمع في جبهته الداخلية والخارجية ضد اعداء الامة من خلال التاكيد على الهوية الوطنية الواحدة بين بناء المجتمع ودعوتهم الى التحلي بالاخلاق الاسلامية العالية كالتسامح والرحمة والمحبة والعفو والمغفرة فيما بينهم وترك دعوات العصبية والطائفية والتعصب المذهبي والدعوة الى هذه المعاني العظيمة من الوحدة والحفاظ على الاوطان من كل اشكال الفتنة والتشرذم وهذا كله يعدّ اساسا من اسس الامن والسلم والاستقرار في المجتمع.
هذه المعاني الكلية الاساسية التي لا يجوز ان تخلوا منها خطبة من الخطب مهما كان موضوعها الفرعي بعد ذلك .
القاعدة الثانية :
تلمس حاجات الناس في المجتمع قبل اعداد الخطبة بما يحقق المعاني الكلية السابقة بحيث يشعر السامع من خلال القاء الخطيب ان الموضوع المطروح يلبي حاجة من الحاجات الضرورية للمجتمع وهذا الامر يتطلب لجنة علمية خاصة من المتخصصين في مجالات مختلفة تعنى باختيار مواضيع خطبة الجمعة الموحدة بناء على دراسات واقعية او معلومات من جهات رسمية تؤكد على سلوك من السلوكيات الخاطئة عند الناس او معالجة اشاعة من الاشاعات المغرضة او بيان حكم شرعي في قضية شاع في الجهل بين ابناء المجتمع مما قد يسبب في تفاقم مشكلة او يسبب في ضرر عام .
القاعدة الثالثة:
احتواء الخطبة على ادلة شرعية صحيحة للاستدلال على الموضوع وكذا ادلة علمية اذا كان الموضوع علميا مع ذكر احصائيات ونسب حقيقية من مصادر موثوقة تدل على الموضوع المطروح كأن يقول بأن 70% نسبة المدخنين في المملكة او تشير الدراسات العلمية الصادرة على الجامعة الاردنية مثلا على ان اعلى نسب السرطان من المدخنين وغير ذلك مما يعزز خطبة الجمعة بالادلة العلمية وتجعل من خطبة الجمعة خطبة نافعة ومؤثرة .
القاعدة الرابعة:
لا بد من ذكر حلول فعلية حقيقية وواقعية لكل مشكلة من المشاكل ولكل توجيه من التوجيهات بحيث لا يترك السامع بلا توجيه او نفع بذكرالمشكلة بدون ذكر الحلول المناسبة لها بحيث يصير الحطيب اذا غفل عن هذه القضية مروجا للمشاكل مع الترك الناس في حيرة من امرهم.
القاعدة الخامسة:
يجب ان يراعى في خطبة الجمعة الترغيب اكثر من الترهيب والتيسير لا التعسير والتفائل لا التشاؤم لان اضفاء الروح الايجابية في المجتمع تخفف من التوتر وتؤدي الى الامن والسلم المجتمعي وتدفع ابناء المجتمع الى العطاء والبذل وعدم اليأس والتخاذل فيشعر السامع ان علاجنا لبعض المشكلات المجتمعية لا يعني خلو المجتمع من الخير والفضيلة .
فإذا أخذ بعين الاعتبار هذه القواعد عند اعداد خطبة الجمعة فسيكون لها اثرا طيبا وكبيرا على حالة الامن والسلم المجتمعي وتؤدي الى دورها في استقرار المجتمع وتماسك افراده.