يعدّ مفهوم القيادة في عصرنا الحالي مختلفًا تمامًا عن تلك القيادة التاريخية التي عرفناها في الكتب، حيث كان الصولجان رمزًا للقائد الذي يسيطر على كل شيء دون رادع أو معارضة. في التاريخ القديم، كانت القيادة تُورث ويُضفى عليها صفة الألوهية أو العظمة، مما جعل الشعوب تتبع القائد دون نقاش.
في مصر القديمة، مثلًا، كان الفراعنة يدّعون الألوهية ويتحكمون في شعوبهم بتفويض إلهي ، وفي الصين، حكمت السلالة الإمبراطورية لقرون طويلة، فيما عزّزت الدولة الأموية هذا المفهوم في التاريخ الإسلامي ، نعم لم يكن هناك مفهوم آخر للقيادة يمكنه منافسة قوة القيادة الوراثية.
نهاية عصر القيادة الوراثية وبداية القيادة المكتسبة…
مع تطور المجتمعات، ظهرت مفاهيم جديدة أفسحت المجال أمام قيادات تستمد قوتها من الفكر والمهارات بدلاً من النسب. فقد شهد العالم ثورات قادها أشخاص ليسوا من سلالة إلهية أو عائلات حاكمة، مثل ثورة البلاشفة في روسيا، وظهور ماو تسي تونغ في الصين، وثورة مصطفى كمال أتاتورك في تركيا. هؤلاء القادة اكتسبوا الشعبية والتأثير عبر تقديم رؤى جديدة وحلول مبتكرة، ما جعل الناس يتبعونهم برغبة وليس بفرض السلطة.
ووفقًا للعالم السياسي "ماكس ويبر" ، فإن هذا التحول يمثل انتقالًا من “السلطة التقليدية” إلى “السلطة الكاريزمية” و”السلطة القانونية”، حيث أصبحت القيادة تُبنى على الصفات الشخصية أو القوانين التي تنظم سلوك القائد وأدواره، وليس على النسب أو الإرث.
القيادة ليست حكرًا على فئة معينة…
اليوم، تتخطى القيادة حدود الوراثة لتصبح مهارة مكتسبة ، فمن يمتلك القدرة على التأثير وتوجيه المجتمع لتحقيق الأهداف دون قسر أو خوف، يمكنه أن يكون قائدًا وفي هذا الصدد، يوضح عالم النفس "دانيال جولمان" أن “الذكاء العاطفي” يعد أحد العناصر الأساسية للقيادة الناجحة، حيث يعزز من قدرة القائد على فهم احتياجات الآخرين والاستجابة لها بفعالية.
التحديات المعاصرة وأثر الصولجان الوراثي على المؤسسات…
رغم التحولات الحديثة، ما زالت بعض المؤسسات تعاني من قيود القيادة الوراثية، حيث يُعيَّن قادة غير مؤهلين بناءً على النسب فقط، ما يسبب عوائق في التطور وهذه الظاهرة يمكن ربطها بنظرية “الإطار المرجعي” للعالم " إدغار شاين " ، والتي تشير إلى أن القادة الذين لا يملكون الخبرات المناسبة يسببون ضعفًا في الهيكل المؤسسي ،مما ينتج عنه عجز على نطاق واسع في المؤسسات
وتصبح تحمل إعاقات مكتسبة تتغلغل في هيكلها التنظيمي .
هل القيادة ما زالت مفهومًا موروثًا…؟
ملخصًا، يمكن القول إن القيادة مرت بمراحل متعددة بدأت بتقديس القادة عبر النسب، وانتقلت إلى تقديرهم بناءً على المهارات والسمات المكتسبة. اليوم، مفهوم القيادة لا يزال في تطور مستمر، معتمدًا على قدرة الأفراد على التأثير الإيجابي في المجتمعات وتغيير الواقع للأفضل. فهل ما زالت القيادة مفهومًا موروثًا؟ أم أنها تطورت لتشمل الجميع؟
ودمتم قادة مؤثرين.