ما زال الورق المطبوع يعيدُ للأصابع نشوتَها وهي تقبضُ بخفّة على صفحات حمَلت لنا الفرحَ والحزنَ في آن، كما أنها ما زالت تنعش الذاكرة، وتعيدُها إلى تاريخ أمسى بعيدًا على الرغم من تكرار أحداثه التي لم تأتِ بأيّ جديد؛ سوى المزيد من الهزائم التي كتبَ عنها كثير من كتّاب الأعمدة في صحفٍ حفرَت تاريخَها بأقلام لا يجفّ حبرها... وفي عهدة "مجمع شارع الملك الحسين الثقافي" في العاصمة الأردنية عمّان؛ صحيفتان ولدتا في قرنين مَضيا، وأتحدث هنا عن العدد الأول من صحيفة "الأهرام" المصرية، وتاريخ صدورها: السبت 5 أغسطس (آب) سنة 1876م. كما أتحدث عن العدد الأول من مجلة "المصور" المصرية، وتاريخ صدورها: الجمعة 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1924، وقد صدّرت صفحتها الأولى بصورة للملك فؤاد الأول، والأخيرة بصورة لتمثال "نهضة مصر" للنحّات المصري محمود مختار، الذي جرى نصبه في ميدان محطة مصر في ذلك الوقت، أي أنها تحتفل اليوم بمرور مائة عام على ولادتها، فيما "الأهرام" تجاوزت هذا الرقم بكثير.

والحديث اليوم عن هاتين الصحيفتين يأتي كمصالحة خفيفة مع التاريخ، وإعادة تدويرٍ لأحداث ما زالت تتصدّر ما تبقى من صحف؛ بعد أن غادرَ معظمها حياةَ الورق، وأسلمت نفسَها لخوارزميات رقميّة تسكن الفضاء الافتراضي، ومنَحت نفسها مجانًا لكل قارئ بحيث تساوت الأخبار في قيمتها وإن اختلفت مواقعها وتأثيرها على القارئ.

يعيش "مجمع شارع الملك الحسين الثقافي" تجربة العودة إلى الأمام، من خلال الاستثمار في جداريتين سكنَتا المجمع تحت اسم "ذاكرة الصحافة العربيّة" و "ركن الأعلام والمجلات العربيّة"، وهما يعرضان لتاريخ يمتد حتى مائة عام خلت، لإيمان إدارة المجمع بفكرة الصحافة المكتوبة؛ لأنها تشكل حقبة تاريخية وجمالية لها أثرها على الأجيال الشابة التي سمعت بها ولم ترَها.. يقول السيد "غازي خطاب" مؤسّس "مجمع شارع الملك الحسين الثقافي" عن هذا الشأن: "إن الثقافة المكتسبة من عوالق الماضي، هي شاهد حقيقي على عبقرية البناء والتأثيث التي اعتمد عليهما الجيل الشاب في السفر إلى الماضي، والسعي إلى تطويره وترجمته إلى فعل سياحي يشير إلى مرتاديه عن جماليات تملك الرائحة والملمس الذي افتقدته الثقافات المفتعلة الناتجة عن الحواسيب والذكاء الاصطناعي".

* مدير مجمع شارع الملك الحسين الثقافي