تعتبر فكرة المجتمع الجماهيري من الموضوعات الحيوية التي أثارتها الفيلسوفة حنة أريندت، ولا سيما في كتابها "أزمة الثقافة". تعكس أريندت في كتابها التحولات الثقافية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات، والتي أدت إلى بروز ظاهرة الجماهير وتأثيرها على الحياة العامة. في هذا السياق، يمكننا استكشاف كيفية تجسد هذه الظواهر في المجتمع الأردني.
المجتمع الجماهيري، كما تصفه أريندت، هو مجتمع يتسم بالهيمنة الثقافية للكتل الكبيرة من الناس، حيث تندمج الأفراد في كتل جماهيرية تفقد فيها الهوية الفردية. هذا النوع من المجتمعات غالبًا ما يتسم بالانقياد وراء الأفكار الشائعة والاتجاهات الشعبية، مما يؤدي إلى تقويض التفكير النقدي.
في الأردن، يمكن رؤية مظاهر المجتمع الجماهيري من خلال التأثيرات الثقافية والسياسية. فقد شهدت البلاد، مثل العديد من الدول العربية، تغييرات سريعة نتيجة العولمة والتكنولوجيا. وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، أصبحت سلاحًا ذا حدين؛ حيث تعزز من المشاركة السياسية والاجتماعية، لكنها في الوقت نفسه تساهم في نشر المعلومات الخاطئة والأفكار السطحية.
تواجه الأردن تحديات سياسية كبيرة، تتعلق بالهوية الوطنية والانتماء. في ظل الأزمات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية، يميل الكثير من الأفراد إلى الانضمام إلى جماعات أو حركات جماهيرية بحثًا عن الدعم والشعور بالانتماء. هذه الديناميات تعكس ما أشار إليه أريندت من أن الأفراد قد يتخلون عن هويتهم الفردية لصالح الهوية الجماعية.
تلعب المؤسسات التعليمية في الأردن دورًا حيويًا في تشكيل ثقافة المجتمع. لكن هناك حاجة ملحة لتعزيز التفكير النقدي والوعي الثقافي. يجب أن تُعزز المناهج الدراسية قيم الحوار والتفكير النقدي لمواجهة تأثيرات المجتمع الجماهيري. إن تجاهل هذه القيم يمكن أن يؤدي إلى تفشي ثقافة الانقياد والامتثال.
إن تحليل المجتمع الجماهيري في الأردن من منظور حنة أريندت يعكس مجموعة من التحديات والفرص. يتطلب التصدي لهذه التحديات تعزيز الوعي الثقافي والفكري، وتشجيع الأفراد على التفكير النقدي والمشاركة الفعّالة في الحياة العامة. فالمجتمع الجماهيري، رغم مخاطر الانقياد، يحمل في طياته إمكانيات للتغيير إذا ما تم توجيهها نحو أهداف إيجابية.