الأردن نشأ من رحم الأزمات .. فاحذروا !
لواء متقاعد سالم محمد الربيحات
24-10-2024 01:09 PM
بداية، ليس المطلوب منا كأردنيين أن ندافع عن أنفسنا فنحن لسنا متهمين ولا نطلب صكوك غفران من أحد، فمن يقرأ التاريخ يعلم جيداً أننا لا نجامل ولا نهادن فيما يخص عقيدتنا وبلدنا وقيادتنا التي انطلقت من ثورة عربية ووصلت الى راية يحملها جلالة الملك عبدالله الثاني الداعم الأكبر للشعب الفلسطيني والمدافع عن حقوقه التاريخية، وللتذكير لم تقف أي دولة كما وقف الأردن قيادة وشعباً دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، فعلى مدار العقود الماضية بقي الأردن الحصن المنيع الذي لا يتردد في تقديم الدعم السياسي والإنساني للأشقاء، سواء من خلال الجهود الدبلوماسية على الساحة الدولية أو من خلال المساعدات الإنسانية لكسر الحصار على قطاع غزة حتى قبل الحرب الجارية، فلمن يريد أن ينسى فغزة محاصرة منذ النصف الأول عام 2006.
إن الحفاظ على أمن الأردن واستقراره أولوية وطنية عليا وثابت راسخ كما الجبال لا يمكن المساومة عليها، ونحن كأردنيين لن نسمح بأي تجاوز على القانون أو استغلال عواطف الناس من أي جهة سواء كانت داخلية أو خارجية، خصوصاً في هذه المرحلة العصيبة والدقيقة، فلا يمكن أن نقبل بأن تُستغل حياة الناس بالشعارات السياسية وركوب أي موجة هدامة نعرف مآربها، فالدولة ليست شارعا ولا "هتافا فوق بكب"ولا تغريدة عبر مواقع التواصل ولا حتى جواز سفر، الدولة كيان ومؤسسات عميقة تدار بالدستور والقانون وحراسها ساهرون على أمن المواطن وحماية حدود الوطن وتسيير مصالح البلد العليا.
نعم، يستطيع أيا منا التعبير عن دعمه وتضامنه مع الأشقاء الفلسطينيين، فهذا حق وواجب وموقف نتبناه جميعاً في الأردن بلا استثناء، ولكن حينما يتحول هذا التضامن إلى تحريض يعرّض أمن الوطن وسلامة المواطنين للخطر فهذا "خط أحمر"، فمصلحتنا الوطنية الأولوية الأولى لا يعلو عليها شيء إطلاقاً، وفي قوة هذا البلد واستقراره تكمن قوة صمود أشقائنا في فلسطين كما قالها "أبا الحسين" في كل لقاء ومناسبة .
وللعلم، الأردن لم يقف فقط مع فلسطين كإخوة بالدم والدين، بل كان دائماً إلى جانب جميع الدول العربية والإسلامية وحتى الأجنبية التي تعرضت للأزمات والحروب أو الكوارث الطبيعية، فسرعان ما تجد التوجيه الملكي لقواتنا المسلحة الباسلة لتقديم المساعدات الطارئة رغم محدودية الإمكانيات إلا أن هذا البلد يجود بكل غالٍ ونفيس، فلم يتردد يوماً بالوقوف مع الأشقاء والأصدقاء في الأوقات الصعبة.
لقد استشعر سيد البلاد ما يجري من حولنا، فحذر مراراً وتكراراً من اتساع رقعة الحرب وهذا ما كان في جنوب لبنان وكذلك الأمر بالنسبة للضفة الغربية وارتفاع وتيرة عنف المستوطنين ضد أهلنا، ولطالما أكد جلالة الملك أن المنطقة لن تنعم بالاستقرار إلا بقبول اسرائيل بحل الدولتين وحتى ينال الفلسطينيون حقهم في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ونذكر هنا بأن للأردن شرعية في وصاية هاشمية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية ولولا هذا لكانت يد الاحتلال طالت أكثر ، وإذا أردنا أن نستذكر ونسترجع التاريخ فهو شاهد عيان على بسالة جيشنا العربي المصطفوي على أعتاب بيت المقدس في اللطرون وباب الواد فهناك دماء زكية اختلطت بتراب فلسطين الطهور وعقيدة قواتنا المسلحة هي من وحي الدين الإسلامي والمبدأ العروبي .
وعلى ما سبق، ولكل من تسول له نفسه بأن يحدث فتنة أو قلاقل أو يثير الناس بعوطف أو شعارات نرد له كيده في نحره ونقولها مسموعة مفهومة عالية مدوية لن نكون ساحة للفوضى والفتنة، ولن نسمح بأي حال من الأحوال لأي جهة أن تستنسخ نماذج الفوضى والدمار في بلدنا، فنحن بلد خرج من رحم الأزمات وعاش فيها حتى يومنا هذا ولا جديد علينا سوى التأكيد على لحمتنا الوطنية والتفافنا خلف قيادتنا الهاشمية وهذا ما نعمل من أجله بكل حزم وإصرار.
نعم، هناك محاولات من المعارضة الداخلية والخارجية لاستغلال الأوضاع وعكسها على الساحة الداخلية، مستغلين بذلك الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة والتحديات التي تحيط بالأردن، هذه المحاولات -المكشوفة طبعا- تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار وتدس السم بالعسل، ولكننا نؤكد وعينا وحرصنا بأن يبقى الأردن صامداً قوياً ضد أي شر أو خطر محدق، فنحن شعب متماسك يحب وطنه ومليكه وقد يكون هذا ما يغيض البعض، نعم نحن بلد آمن مستقر ولدينا ثوابت وقيادة قوية وهذا ما يفتقده الكثير في المنطقة وغيرها.
الخلاصة، نحن نعلم أن هناك من يخطئ ويستغل ومن يغرر به ومن يركب موجة ويسير خلف القطيع دون علم ودراية، ونستطيع أن نتجاوز عن أي إساءة إلا إذا كانت بحق الوطن وقيادتنا فهذه خطوط حمراء لا نهادن فيها ولا نصفح ولكن نحمل كل من يفكر بنا بسوء أو شر مسؤولية أعماله، فنحن هنا باقون ثابتون على موقفنا في حماية بلدنا والحفاظ على أمنه واستقراره، فالأردن ليس جواز سفر ولا حقيبة دولارات، هذا بلد له تاريخ وحاضر ومستقبل فلا عابث ولا هاوٍ ولا متسلق ولا متشدق يستطيع أن يفهم معنى تراب الوطن وحنيته وأمنه وهويته ولا حتى دحنونه وشيحانه، فنحن هنا نزرع بيد ونحمل بالأخرى السلاح عند اللزوم، وعند الجد كلنا جنود بالجيش ورهن إشارة مليكنا المفدى ..
* اللواء المتقاعد سـالم محمد الربيحات / نائب مدير الأمن العام سابقاً