المجالي يكتب : لا فضاء لـ «الغاربين» العرب سوى القبر!
راكان المجالي
23-05-2011 01:52 PM
لا أحدَ يحمي أحداً الآن. تلكَ حقيقةٌ سياسية، كرّستها مؤخّراً انتفاضتا تونس ومصر الشعبيتان، وعلى نحوٍ ما يزال بهاؤه يملأ فضاء المشهد العربي. أما انتفاضتا اليمن وليبيا، فهما في الطريق الى تكريس نفس الحقيقية السياسية، ولكن على نحوٍ مختلف، مفاده: أنّ وسائل القوّة الذاتية أيضاً، التي يمتلكها نظام عربي، أيّ نظام، لا يمكن أن تحمي أصحابها، ناهيكَ عن صلاحيتها لضمان عودة الأمور الى ما كانت عليه، بعد أن استعصى على عطّاري الأنظمة اصلاح ما أفسده دهرُ الطغاة وعسفهم واستبدادهم.
لا أحدَ يحمي أحداً.
فالأنظمة العربية، اذن، تقف عارية، على قارعة الزمان الجديد. لكنّها ليست وحدها كذلك، فالشعوب العربية أيضاً لا أحد يحميها، أمام خياراتها وتحدّيات أقدارها الجديدة. فأثناء الاختبار، والتحوّل التدريجي، الذي تخوضه أنظمة العرب المتهاوية، في البحث عن خيارات خلاصها أو اعادة انتاجها وتأبيدها، تمارسُ أعنف أنواع العنف والمغامرة والخديعة على شعوبها. فمِن التقتيل المباشر، الى القتل بالغازات السامّة، الى ممارسة أشكالٍ معقّدة، من الدسائس والمؤامرات، التي تحاول افساد خيارات المستقبل على الناس. ولا يتوقّف الأمر عند هذا، بل يتعدّاه الى تشويهٍ وافشالٍ فعليّ، لمطالب الناس واحتجاجاتهم، عبر دفعها خطواتٍ "فاحشة.."، الى أمامٍ لا يدخل في خيارات الناس، لتنقلب الأمور ومفاهيمها بعدها، من انتفاضات مشروعة للشعوب الى فِتنٍ طائفية ومذهبية واثنية. ناهيكَ عن الخيار المدمّر، الذي دفع اليه "عقيد الشعوب المسلّحة.."، ليغرق الوطن الليبي بعدها، في دوامة خيارات عنيفة، لا تُعرف مآلاتها بعد.
لا أحدَ يحمي أحداً.
مشهدٌ لا يُحسد عليه أحد. فماذا عن القوى الدولية والاقليمية، التي تتشدّق يومياً بحقوق الانسان، وحماية المدنيين، وفي نفس الوقت، تمارس دعمها وتواصلها مع أنظمة الطغيان، حتى آخر رمقٍ فيها..؟!.
في سياق التفكير في الثورات العربية، والتغيير الحاصل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يحلم الغربيون ويتصوّرون أشياء كثيرة، تنشرها الصحف الغربية، غير أنّهم لا يركنون الى تلك الأحلام. فالأمريكيون تحديداً، ومِن بعدهم الاسرائيليون، يحلمون بـ"مناعة ما.."، لمصير أنظمة تحالف تاريخي بعينها، تلك التي يرتبطون معها بعلاقات تحالف مصالحٍ أزليّ.
أما بالنسبة للأنظمة العربية التقليدية، فانّ حقائق كثيرة قد تغيّرت، بعد أن تكشفّت حقيقة فاضحة، في الأشهر الأخيرة، مفادها: أنّ "الولايات المتحدة لا تستطيع حماية حلفائها في المنطقة.."، وهي فكرة أصبحت موحّدة، ويُقرّ بها معظم المراقبين الأميركيين. وهؤلاء، يرونَ أنّه بعدما فشلت كل المساعي، وبعض الضغوط العربية، لمنع اسقاط نظام الرئيس المصري حسني مبارك، وبعد انتقادات الادارة الأميركية الخجولة، لدخول قوات درع الجزيرة الى البحرين، وبعد التلكؤ الأمريكي الواضح، في حسم الأوضاع في اليمن، ساد اعتقاد، عند العرب المراهنين استراتيجياً على الولايات المتحدة، بأنّه لا يمكن الوثوق بادارة "باراك أوباما..". فبدأ هؤلاء يبحثون عن خيارات أخرى، في الشرق (كالصين..)، أو من خلال الحلفاء القدامى (كباكستان..).
بعض الأمريكيين، وعلى رأسهم "مارتن انديك.."، يتخوّفون من تداعيات ترك الأنظمة العربية، وخصوصاً في الخليج، القيام بتنفيذ سياساتها في المنطقة، بحسب رؤيتها ومخاوفها، واحتماليّات أن يجرّ ذلك الى صراع "سنّي شيعي.." مؤكّد، وبالتالي صراع "عربي ايراني.."، ومِن ثمّ صراع "عربي اسرائيلي.."، ما سيقود الى نهاية معادلة السلام الأميركية في المنطقة..!؟ وعلى الرغم من غرابة هذه المخاوف، فانّ "انديك.." يقترح أن يقوم "أوباما.." بتشجيع "انتشار أنظمة ملكية دستورية.."، في دول منطقة الجزيرة العربية.
وبين المتابعات الأمريكية والأوروبية، لشؤون ومصير الأنظمة المتفجّرة في العالم العربي، تواصل تلك القوى الدولية، الاحتفاء والاحتفال بالحريات، وتثبيت حقوق الانسان، ودعم الديموقراطيات في الشرق الاوسط المتغيّر، وفي الوقت عينه، تستمرّ في التنسيق، وغضّ النظر عن كثير من ممارسات الاستبداد، لحلفائها في المنطقة، حتّى الحدّ الذي يتكشّف فيه رجحان كفّة الشعب المحتجّ على طُغاته في الشوارع.
لا أحد يحمي أحداً في أزماننا العربية الراهنة، كما قلنا، وعلى الحالمين والمراهنين على "المناعة.."، أن يعرفوا أنّها هي بالذات مصدر "القلق..". أما ما هو بائس، فهو ذلك الواقع العربي، المتكشّف يوماً بعد آخر، بأنّ الصراع المعقّد المحتدم الآن، هو في جوهره، صراعٌ على الشعوب العربية ومصائرها، سواء من قبل أنظمة الطغيان العربية، أو من القوى الخارجية. أما المعارضات العربية، فهي غير بعيدة عن تلك الأسواق، بكلّ ما يُباع فيها، مِن "سَقَط الفِعل والوسائل والرؤى.."..!.
ذات زمانٍ مبكّرٍ عَبَر، قال مفكّرٌ عربيٌ لبناني: "لا فضاءَ لغاربٍ سوى القبر..". أما مَن يظنّون أنّهم يجيدون الحساب عند حافّة الهاوية، استناداً الى خبرات اللهو المقامر، فعليهم أن يدركوا أن ليس أمامهم سوى "الصفر..". ولَهم أن يضيفوه ويطرحوه ويضربوه أو فليقسموه، في حساباتهم، فَلَن يجدوا غيره أمامهم، يطالعهم في مرايا الصباح، وفي كوابيس المساء..!.
rakan1m@yahoo.com