facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




صكوك الوطنية والقانون وتسييس الانتماء


د. أشرف الراعي
23-10-2024 12:00 AM

نواجه في مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية اليوم ظاهرة خطيرة يمكن أن تهدد القيم الوطنية الحقيقية؛ حيث بات البعض من الأفراد أو الجهات يعتبرون أنفسهم أوصياء على الوطنية والولاء، إذ يقومون بتوزيع صكوك الانتماء على من يوافقهم الرأي، وينزعونها عن من يختلف معهم، وكأن الوطنية أصبحت بضاعة تُباع وتُشترى، أو وسيلة لتصفية الحسابات الشخصية والسياسية، في خرق واضح للقانون.

‏‎إن هؤلاء، سواء كانوا شخصيات عامة أو ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يترددون في "سحب جنسية" هذا المواطن أو التشكيك في ولاء ذاك، بناءً على مواقفهم أو توجهاتهم السياسية وهو أمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل نجد البعض يتجاوز دوره الفردي ليصبح “ناصحا” للدولة ومؤسساتها، ويقترح عليهم كيفية إدارة الأزمات أو اتخاذ القرارات المصيرية!

إن الخطورة في هذه الظاهرة تكمن في أنها تفتح الباب أمام تقسيم المجتمع إلى فئات: “الوطنية” و”غير الوطنية”، على أساس معايير ذاتية لا تمت للواقع بصلة، وهذا الأسلوب قد يؤدي إلى شق صفوف المجتمع، في وقت تتعاظم الحاجة إلى تضافر الجهود لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية المتزايدة.

‏‎فبدلا من أن تكون الوطنية وسيلة لتوحيد الصفوف ودعم الدولة ومؤسساتها، بات البعض يستخدمها كأداة لتقسيم الناس إلى موالين ومعارضين، بناءً على آرائهم حول قضايا معينة، وهذه التصرفات تضر بالسلم الاجتماعي وتضعف الثقة في المؤسسات الوطنية، حيث يصبح الولاء للوطن مجرد شعار يُرفع لتبرير مواقف معينة، وليس انتماءً حقيقيا يُترجم إلى أفعال بناءة.


‏‎من المهم أن ندرك أن الوطنية ليست ملكية فردية أو جماعية، بل هي شعور يجمع كل أفراد الوطن، بغض النظر عن خلفياتهم أو آرائهم؛ فالانتماء للوطن لا يُقاس بالكلمات أو الشعارات، بل بالعمل على رفعة الوطن وحمايته وتعزيز استقراره، و الدولة، بمؤسساتها الدستورية، هي الجهة الوحيدة المخولة بتحديد من يستحق الجنسية ومن يحق له الانتماء، وفقا للقوانين والأنظمة التي وضعتها بناءً على مصالح الشعب والوطن، كما أن محاولة الأفراد أو الجماعات التدخل في ذلك يعد تعديا على حقوق الدولة وسيادتها.


‏‎الدولة ومؤسساتها الأمنية لها دور أساسي في الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي وهي الجهات التي تمتلك الخبرة والمعرفة الكافية للتعامل مع الأزمات وإدارة الأمور المعقدة، لذا فإن التدخل من قبل أفراد لا يمتلكون الخبرة أو السلطة في الحديث عن هذه المؤسسات هو عبث لا يُفيد الدولة ولا المواطنين.

‏‎في هذه الأوقات التي تواجه فيها الدول العديد من الأزمات، من الأهمية بمكان تعزيز ثقافة الحوار بدلاً من الانجرار وراء تقسيمات مصطنعة تُضعف من قدرة المجتمع على مواجهة التحديات، كما يجب أن تكون هناك مساحة للمناقشة وتبادل الأفكار بطريقة حضارية، حيث يتسع الوطن للجميع، بغض النظر عن اختلافاتهم الفكرية أو السياسية؛ فالخلاف في الرأي لا يعني غياب الوطنية، بل هو دليل على حيوية المجتمع وديمقراطيته؛ ففي الأنظمة الديمقراطية، يُعتبر التنوع في الآراء والمواقف مصدر قوة، حيث يُسهم في تعزيز القرارات السياسية والاقتصادية بناءً على رؤى متنوعة، وبالتالي فإن محاولة إقصاء من يختلف في الرأي هو تقويض لهذا التنوع وإضعاف للمجتمع بأسره.


‏‎في الختام، الوطنية الحقيقية ليست في الشعارات أو الأحكام على الآخرين، بل في العمل الدؤوب والمساهمة الفعالة في بناء الوطن، والوطنية هي التزام بالمشاركة في تطور المجتمع وتحقيق العدالة والتنمية، ولا يمكن لأي فرد أو جماعة أن يدّعي امتلاك الحق الحصري في تحديد من هو “وطني” ومن هو “غير وطني”؛ فالوطن
ملاذ الجميع، وعلينا أن نعمل جميعا من أجل تقويته وتحصينه، وليس تقويض وحدته؛ فلن تتقدم الدول بالتراشق بالتهم، بل بالعمل الجاد على رفع شأنها ودعم مؤسساتها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :