لماذا يخشى الغرب السيارات الصينية؟
د. رامي كمال النسور
22-10-2024 12:03 PM
كتبت مقالاً في «الخليج» بتاريخ 28 إبريل 2024 حول، هل السيارات الكهربائية مفيدة بالمطلق للبيئة؟، وضمن هذا السياق أثار صعود نجم السيارات الكهربائية الصينية قلقاً كبيراً في الولايات المتحدة وأوروبا. ولا ينبع هذا الخوف من المنافسة الاقتصادية فحسب، بل من التحول الاستراتيجي الأوسع في المشهد العالمي للسيارات والتكنولوجيا، وتأثير ذلك في الأمن القومي للدول المختلفة.
وتسهم عدة عوامل رئيسية في هذه المخاوف، بما في ذلك التقدم التكنولوجي السريع في الصين، والتوسع في السوق، والآثار الجيوسياسية المحتملة لهيمنة الصين على قطاع السيارات الكهربائية.
وأكثر الدول التي صدرت عنها ردود فعل على هذه الصناعة هي أمريكا والمجموعة الأوروبية باستثناء ألمانيا. فقبل عدة شهور قامت إدارة بايدن في فبراير الماضي بتحقيق حول خطر السيارات الكهربائية الصينية ورفعت بعد ذلك الضرائب المفروضة عليها إلى 100% وذلك بعد تلقيها انتقادات لاذعة من داخل الكونغرس الأمريكي لترويجها إلى التحول نحو السيارات الكهربائية. وفي الرابع من أكتوبر الحالي أعطت دول الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر بشكل نهائي، الجمعة، لفرض رسوم جمركية إضافية كبيرة على السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين، رغم التحذيرات الألمانية من إمكانية تسبب الخطوة بإشعال حرب تجارية مع بكين.
وسبق الخطوة الأمريكية استجواب تم من قبل السيناتور جوش هولي لنائب وزير الطاقة الأمريكية ديفية تورك الذي خاطب الإدارة الأمريكية بقوله: إن سياستكم تدفعنا وسلاسل التوريد إلى أيدي أكبر أعدائنا على الصعيد الجيوسياسي على حد قوله. وسأله إن هنالك دولة واحدة في العالم مسؤولة عن إنتاج 60% من السيارات الكهربائية فأجاب بأنها الصين. كما ذكر له، أن هنالك دولة واحدة في العالم مسؤولة عن 76% من إنتاج بطاريات الليثيوم أيون فأجابه نائب الوزير بأنها الصين.
هذا الاستجواب يأتي ضمن مخاوف الإدارة الأمريكية من استخدامها في التجسس أو لتنفيذ هجمات إلكترونية واسعة، ولذلك شرعت أمريكا في وضع لوائح تنظيمية جديدة تحظر استيراد سيارات صينية وروسية مزودة بتكنولوجيا الاتصال والأتمتة بذريعة خطورتها على الأمن القومي وهو ما يعني حظراً كاملاً لاستيراد السيارات الكهربائية الصينية ومنع استخدام مكونات اتصال صينية في تصنيع السيارات الكهربائية، مثل أجهزة البلوتوث والواي فاي وغيرها.
وقد ذكرت وزيرة التجارة الأمريكية «جينا ريموند»، أن السيارات اليوم مزودة بكاميرات وميكروفونات وأجهزة تتبع GPS وتقنيات أخرى متصلة بالإنترنت. وهذا على حسب تعبيرها «لا يحتاج إلى كثير من الخيال لفهم كيف يمكن لعدو أجنبي لديه إمكانية الوصول إلى هذه المعلومات أن يمثل خطراً كبيراً على أمننا القومي وخصوصية المواطنين الأمريكيين».
إن واشنطن تخشى استخدام بيانات السيارات لاختراق البنية التحتية للنقل والاتصالات في ظل قدرة الحكومة الصينية على إجبار الشركات المصنعة لتلك السيارات على تسليم تلك البيانات.
وتصاعد الأمر، إذ صرح الرئيس الأمريكي بايدن، «بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح للصين بأن تغرق أسواقها وتجعل صانعي السيارات الأمريكية عاجزين عن المنافسة العادلة».
هذه الخطوة الأمريكية أثارت استياء الجانب الصيني وتعهدت بكين بالدفاع عن حقوقها التجارية المشتركة حيث ذكر المتحدث باسم الخارجية الصينية، «ندعو الجانب الأمريكي إلى احترام مبادئ السوق وتوفير بيئة عمل منفتحة وعادلة وشفافة وغير تمييزية للشركات الصينية».
وإذا كان ما جاء أعلاه يوضح ما تخشاه أمريكا من السيارات الصينية فماذا عن الأسباب الأخرى التي تشترك فيها المجموعة الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد كان استثمار الصين في تكنولوجيا السيارات الكهربائية استراتيجياً وكبيراً، ما مكن البلاد من الظهور كقائد عالمي في إنتاج السيارات الكهربائية. وقد حققت الشركات الصينية، بما في ذلك BYD وNio وXpeng، تقدماً ملحوظاً في تصنيع السيارات الكهربائية، وخاصة في تطوير تكنولوجيا البطاريات. تسيطر الصين الآن على جزء كبير من سلسلة التوريد العالمية لمكونات السيارات الكهربائية الرئيسية، بما في ذلك بطاريات الليثيوم أيون، والتي تعد ضرورية لتشغيل السيارات الكهربائية.
إن هذه الزعامة في مجال التكنولوجيا مقلقة لكل من الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين هيمنتا تاريخياً على سوق السيارات العالمية. يُنظر إلى السيارات الكهربائية الصينية بشكل متزايد على أنها ليست أرخص فحسب، بل إنها متفوقة من الناحية التكنولوجية في بعض النواحي. ومع إنتاج الصين للسيارات الكهربائية بكلفة أقل بسبب اقتصاديات الحجم، فإن وجودها في السوق ينمو بسرعة في أوروبا وقد يتوسع إلى الولايات المتحدة، ما يهدد حصة السوق لشركات صناعة السيارات الغربية العملاقة، مثل فولكس فاجن وفورد وجنرال موتورز.
ويُنظر إلى دخول السيارات الكهربائية الصينية إلى الأسواق الغربية على أنه تهديد مباشر للشركات المصنعة المحلية. في أوروبا، تحقق العلامات التجارية الصينية تقدماً بالفعل، حيث تقدم مركبات بأسعار تنافسية مع ميزات تكنولوجية قوية. والخوف هو أن شركات صناعة السيارات الصينية قد تعمل على تقويض الشركات المصنعة الأوروبية والأمريكية، ما يؤدي إلى فقدان الوظائف والاضطراب الاقتصادي في صناعة السيارات التقليدية.
استفادت شركات صناعة السيارات الصينية من الدعم الحكومي، بما في ذلك الإعانات والحوافز الضريبية والظروف التنظيمية المواتية، ما يسمح لها بتطوير أنظمة إنتاج فعالة من حيث الكلفة. في المقابل، تواجه الشركات الغربية تكاليف عمالة أعلى، وقواعد بيئية أكثر صرامة، وفي بعض الحالات، انتقال أبطأ إلى تصنيع المركبات الكهربائية. ومع إغراق المركبات الكهربائية الصينية للسوق، يتزايد الضغط على شركات صناعة السيارات التقليدية لتسريع انتقالها إلى التنقل الكهربائي، ولكنه يكشف أيضاً عن نقاط ضعفها في التكيف بسرعة كافية.
بخلاف التداعيات الاقتصادية، هناك مخاوف جيوسياسية تحيط بنفوذ الصين المتزايد في سوق المركبات الكهربائية. لا تتعلق صناعة المركبات الكهربائية بالسيارات فحسب، بل إنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتحول الأوسع في مجال الطاقة والبنية التحتية التكنولوجية في المستقبل.
تكمن الأهمية الاستراتيجية لسوق المركبات الكهربائية في ارتباطها بالطاقة المتجددة، ومستقبل التنقل، وحتى تكنولوجيات الدفاع. يمكن للصين المهيمنة في قطاع المركبات الكهربائية أن تمنح البلاد نفوذاً على الغرب، على غرار الاعتماد على النفط في الشرق الأوسط في العقود الماضية. الولايات المتحدة وأوروبا تدركان، أن من يسيطر على سوق السيارات الكهربائية من المرجح أن يتمتع بميزة كبيرة في تشكيل مستقبل الطاقة والتكنولوجيا وحتى التجارة العالمية.
ردًا على هذه المخاوف، بدأت كل من الولايات المتحدة وأوروبا في استكشاف الحواجز التجارية والآليات التنظيمية لحماية صناعاتها المحلية. على سبيل المثال، أطلقت أوروبا تحقيقات حول ما إذا كان مصنعو السيارات الكهربائية الصينيون يستفيدون من إعانات الدولة غير العادلة، وكانت هناك مناقشات حول فرض تعريفات جمركية على السيارات الكهربائية الصينية المستوردة لتسوية المنافسة.
قدمت الولايات المتحدة، بموجب قانون خفض التضخم، أحكاماً تفضل المركبات الكهربائية المنتجة محلياً، وتقدم ائتمانات ضريبية للمستهلكين الذين يشترون السيارات الكهربائية المصنوعة في أمريكا الشمالية. تسلط هذه التدابير الحمائية الضوء على مدى سعي الحكومات الغربية إلى إبطاء توسع السيارات الكهربائية الصينية في أسواقها، لكنها تخاطر أيضاً بإشعال التوترات التجارية مع الصين، والتي قد ترد بحواجزها الخاصة.
ويمثل صعود السيارات الكهربائية الصينية تحولاً عميقاً في صناعة السيارات العالمية، وهو ما قد يعيد تشكيل السوق لسنوات قادمة.
* د. رامي كمال النسور/ مستشار الأسواق المالية والاستدامة.
"صحيفة الخليج الاماراتية"