يشهد الشباب الأردني اليوم تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة تعمق شعورهم بالاغتراب وتزيد من الإحباط حول المستقبل، مع ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وانخفاض القدرة الاقتصادية على خلق فرص عمل جديدة، يظهر ضرورة ملحة لإعادة بناء الثقة بين الشباب والدولة، وتعزيز التكاتف وإعادة تنظيم الجهود الجماعية لمواجهة هذه التحديات وعليه إن رؤية التحديث السياسي و الاقتصادي، جنبًا إلى جنب مع المبادرات الشبابية، قد تكون المفتاح لبناء مستقبل أكثر إشراقًا للشباب الأردني.
يمثل الاقتصاد الأردني تحديًا كبيرًا للشباب، إذ وصلت نسبة البطالة بينهم إلى 23%، وتشير التقارير إلى أن المشاركة الاقتصادية قد تراجعت إلى 33.4% فقط من السكان في سن العمل، وهو ما يشير إلى تراجع كبير في الإقبال على فرص العمل المتاحة بسبب قلة الفرص أو عدم مواءمة المهارات مع احتياجات السوق، إضافة إلى ذلك، يواجه حوالي 65% من الباحثين عن العمل بطالة طويلة الأمد تمتد لأكثر من 11 شهرًا، مما يزيد من الإحباط ويعمق الإحساس بالعجز لدى الشباب .
كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة لم تقتصر على الشباب فقط؛ إذ يعاني الاقتصاد الأردني من تأثيرات إقليمية، بما في ذلك تدفق اللاجئين، والاضطرابات الإقليمية، وتعطيل سلاسل الإمداد، مما أثر سلبًا على قدرة الدولة على توفير فرص عمل جديدة. ورغم ذلك، أظهرت الاقتصاد الأردني مرونة ونموًا بنسبة 2.4% في الربع الثاني من عام 2024، وفقًا لاقتصاديين أشادوا بقدرة الأردن على التكيف مع الظروف ، لكن هذه النسبة من النمو لا تزال غير كافية لتحقيق التوقعات الطموحة في خلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.
إن إعادة بناء الثقة تتطلب جهودًا مشتركة بين الشباب والدولة، وتعزيز مفهوم التكاتف بين جميع الأطراف، ويجب على الشباب الأردني أن يتكاتفوا لإعادة هيكلة جهودهم بشكل يتيح لهم التعبير عن طموحاتهم ومتطلباتهم بفعالية أكبر ويمكن ذلك من خلال تنظيم تكتلات شبابية ومبادرات مجتمعية تركز على تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوطني. ويعتبر تعزيز هذه الجهود الجماعية جزءًا أساسيًا من إعادة بناء الأمل والثقة في المستقبل.
إحدى الاستراتيجيات الأساسية لتحقيق ذلك هي تمكين الشباب بشكل حقيقي عبر برامج تدريبية وتطويرية تهيئهم لسوق العمل، مثل تطوير مهاراتهم في مجالات الثورة الصناعية الرابعة، والتكنولوجيا، وريادة الأعمال. هذه البرامج يجب أن تركز على تطوير مهارات التواصل وحل المشكلات والابتكار، بما يساهم في إعداد جيل من الشباب قادر على المساهمة بفعالية في الاقتصاد الوطني ، هذا النهج لا يساعد فقط في توفير فرص العمل، بل يسهم أيضًا في خلق جيل من الشباب المتعلم والقادر على مواجهة التحديات بشكل إيجابي، بالإضافة إلى تعزيز شعورهم بالقدرة على التأثير في مجتمعاتهم وتحقيق طموحاتهم الشخصية.
تعتمد رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن على تمكين الشباب وخلق مليون فرصة عمل بحلول عام 2033. لتحقيق هذا الهدف، يجب تحقيق معدلات نمو عالية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، بما في ذلك الصناعات ذات القيمة العالية والخدمات المستقبلية والسياحة، هذه الرؤية تتطلب استثمارات مستدامة وتحسين بيئة الأعمال لتكون جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب ومن المهم أيضًا تنفيذ إصلاحات تهدف إلى تسهيل الإجراءات البيروقراطية وتقديم حوافز حقيقية، مما يمكن أن يشجع الشركات على توسيع أعمالها في الأردن وخلق فرص عمل جديدة .
ورغم التحديات، فإن هناك إشارات إيجابية على مرونة الاقتصاد الأردني ، فقد نمت قطاعات الزراعة والنقل والتخزين والاتصالات، وهو ما يعزز من قدرات الاقتصاد على التوسع ومع ذلك، لا يزال النمو في القطاعات الأخرى، مثل التصنيع والبناء، غير كافٍ لتحقيق الأهداف الطموحة للرؤية الاقتصادية وهذا يتطلب تعزيز السياسات الداعمة لهذه القطاعات، وضمان تنفيذ الإصلاحات التي تعزز من قدرتها على النمو والإنتاجية ومن الضروري أن تعمل الحكومة على تسهيل دخول المستثمرين وتوفير البيئة المناسبة لتحقيق نمو مستدام في هذه القطاعات، وهو ما يمكن أن يسهم في تحسين فرص العمل المتاحة للشباب.
ان عملية إعادة بناء الثقة بين الشباب والدولة تحتاج إلى جهود حقيقية تشمل جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية و يتعين على الحكومة الأردنية أن تتبنى سياسات شفافة وعادلة تستهدف تحقيق تحسينات ملموسة في حياة الشباب، من خلال تقديم حوافز وفرص للتدريب والتوظيف في القطاعات الناشئة والمتطورة ، هذه السياسات يجب أن تكون مدعومة بإجراءات فعلية تعزز من الشفافية والمساءلة، مما يسهم في بناء جسر من الثقة بين الدولة والشباب.
من ناحية أخرى، يجب أن يكون هناك توجه لتطوير النظام التعليمي ليصبح أكثر مواءمة لمتطلبات السوق الحالية والمستقبلية، وينبغي أن يتم التركيز على تعزيز التعليم المهني والتقني، وتقديم برامج تدريبية تتماشى مع احتياجات القطاعات الاقتصادية المزدهرة، مثل تكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة ، هذا التوجه يمكن أن يسهم في تقليص الفجوة بين مهارات الشباب واحتياجات سوق العمل، وبالتالي تحسين فرص توظيفهم وزيادة مشاركتهم الاقتصادية.
على الشباب من جانبهم تبني نهج الاشتباك الإيجابي، حيث يمكنهم المشاركة في تطوير مجتمعاتهم من خلال العمل التطوعي والمشاركة في المبادرات الوطنية والمشاريع الصغيرة. هذه الأنشطة تسهم في تعزيز الشعور بالانتماء وتفتح لهم الأبواب للمساهمة الفعالة في صنع القرار على المستوى المحلي ، إن الاشتباك الإيجابي يعزز من روح المبادرة ويتيح للشباب فرصة للتأثير الإيجابي في محيطهم، وهو ما يسهم في خلق مجتمع أكثر تكاتفًا واستقرارًا.
يجب أن يدرك الشباب أن التغيير يبدأ من داخلهم، وأن العمل الجماعي هو السبيل لبناء مستقبل أفضل و يمكنهم الاستفادة من الفرص المتاحة لتعزيز مهاراتهم وبناء شبكات قوية من العلاقات التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم ، هذا يتطلب الإصرار والمثابرة والعمل الدؤوب لتحقيق التغيير الإيجابي الذي يصب في مصلحة الجميع.
يواجه الشباب الأردني تحديات كبيرة، لكن الفرصة لا تزال متاحة لبناء مستقبل أفضل من خلال التكاتف وإعادة بناء الثقة وتعزيز المشاركة الفعالة ، إن تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، بالتوازي مع تعزيز بيئة استثمارية جاذبة، يمكن أن يوفر الأساس لبناء اقتصاد قوي وشامل يمكّن الشباب من تحقيق طموحاتهم ، وعلى الدولة والشباب العمل معًا لتحويل التحديات إلى فرص، وبناء مجتمع يكون فيه للشباب دور محوري في صناعة المستقبل. يجب أن يكون هناك تركيز على تعزيز قدرات الشباب وتشجيعهم على الابتكار والمشاركة في المشاريع التي تسهم في تنمية المجتمع والاقتصاد ، من خلال العمل المشترك والتصميم على التغيير، والذي يمكّن الشباب الأردني أن يكونوا المحرك الرئيسي للتنمية والتقدم في الأردن.
في الختام، يتطلب بناء مستقبل مشرق للشباب الأردني تبني نهج حقيقي شامل يشمل جميع القطاعات والمجالات ، ويجب أن يكون هناك توازن بين السياسات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية التي تستهدف تمكين الشباب وتوفير الفرص لهم ، من خلال تعزيز التكاتف والعمل الجماعي، يمكن للأردن أن يتغلب على التحديات الراهنة ويبني مستقبلًا يضمن فيه الشباب دورًا أساسيًا في تحقيق التنمية والاستقرار.
إن الاستثمار في الشباب هو الاستثمار في مستقبل الأردن، ويجب أن تكون جميع الجهود موجهة نحو تحقيق هذا الهدف السامي.
"الغد"