كنا نظن أن دولة الاحتلال تعتمد على الحروب الخاطفة مع العرب ، قياسا على الحروب السابقة التي شنتها اسرائيل ضد العديد من الدول العربية ، لكن الحرب المشتعلة مع الكيان على جبهات عديدة منذ أكثر من عام ، وفي مقدمتها جبهة غزة أثبتت أن هذا الكيان قادر على التعايش مع حرب طويلة ، أو أن النتائج الميدانية في العمليات العسكرية على الأرض، أجبرت هذا الكيان على تعديل استراتيجياته في مختلف المجالات !.
وهذا تطور خطير بالنسبة للأطراف العربية المنخرطة في حروب مع العدو ، ذلك أن العدو أصبح يستطيع تحمل الخسائر البشرية في ضباطه وجنوده ، كما يتضح من خلال مجريات الحرب في الميدان، وربما يلجأ الى تجنيد مرتزقة كما تشير بعض التقارير ، كما أنه يستطيع تحمل الخسائر في المعدات " الدبابات والاليات المدرعة والمدافع وغيرها "، فضلا عن قدرته على تحمل الخسائر الاقتصادية الناجمة عن شل الحياة الطبيعية ، بسبب استدعاء الاحتياط الذي يشكل عناصره عصب الاقتصاد في مختلف القطاعات . مع ملاحظة أن حجم الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي بلغ حوالي 500 مليار دولار في عام2022 ، وهو رقم يعادل حجم الناتج المحلي الاجمالي لدول عربية عديدة ، ويتوقع أن يسجل خلال عام 2024 أحد أضعف معدلاته ، دون أن ننسى أن الداعم الرئيسي لهذا الكيان ، هو الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية ، بكل ما تملكه من امكانات عسكرية واقتصادية وتكنولوجية ومالية هائلة !.
كل الأطراف الرئيسية المنخرطة في هذا الحرب ، باتت تشعر أنها حرب وجودية بالنسبة لها ، فدولة الاحتلال تعتبر أنها اذا خسرت الحرب ، فانها مهددة بشكل جدي في وجودها ، وعليه فانه يصبح من السهل ، على أي قوة مسلحة أو فصيل مقاوم أو ميليشيا ، استهدافها بسهولة وربما يؤدي ذلك الى انهيار الكيان الصهيوني ، وعليه فان دولة الاحتلال مصرة على الاستمرار في هذه الحرب المتعددة الجبهات حتى النهاية ، سواء بتحقيق نصر حاسم ، أو تسجيل انجازات عسكرية متراكمة مثل عمليات الاغتيال ، والقصف الجوي الرهيب الذي يحول غزة ولبنان الى أرض محروقة ، فضلا عن مفاقمة الوضع الانساني من خلال استمرار عمليات النزوح الجماعي في غزة ولبنان ، واجبار النازحين على البحث عن ملاجيء ايواء جماعي في ظروف انسانية بائسة، وانتظار تلقي المساعدات الاغاثية القادمة من الخارج وسط انتشار الامراض والاوبئة !.
وحركة حماس من جانبها باتت مقتنعة ، بأن الحرب التي أعقبت عملية "طوفان الأقصى" ، تعتبر وجودية بالنسبة لها ، بمعنى أن انتهاء الحرب باعلان اسرائيل انتصارها ، يعني أن نهاية الحركة كجهة حاكمة في قطاع غزة ، فضلا عن الخسائر الكبيرة التي أصابت جناحها العسكري " كتائب القسام" وهي خسائر غير معروفة ، بالاضافة الى الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية الأساسية ومفاقمة المعاناة الانسانية ، زد على ذلك عمليات الاغتيال التي نفذتها قوات الاحتلال وجهاز الموساد ، وكان أخرها قتل الشهيد يحى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وسبقه اغتيال سلفه اسماعيل هنية في طهران ، وقبل ذلك اغتيال نائب صالح العاروري نائب هنية في بيروت ، لكن تبقى حركة حماس فكرة قابلة للتجدد .
وبالتأكيد فان حزب الله يشعر أكثر من أي وقت مضى ، بأن مصيره مهدد بشكل جدي بعد فتحه جبهة اسناد قطاع غزة في 8 اكتوبر عام 2023 ، في اليوم التالي لتنفيذ عملية "طوفان الاقصى "، لكن النتائج بدت مختلفة عن شعار" اسناد غزة " ، حيث واصلت اسرائيل عملية تدمير القطاع بشكل ممنهج ، وسط جدل ساخن بين القوى والاحزاب اللبنانية ، حول جدوى فتح جبهة اسناد غزة دون استشارة الاطراف اللبنانية ، بعد ان اتسع نفوذ حزب الله داخل لبنان ، الى درجة أنه أصبح يتحكم بمفاصل الدولة .
فبعد مسلسل الاغتيالات التي نفذتها اسرائيل ، واستهدفت قياداته السياسية والعسكرية من الصفين الاول والثاني، التي طالت رأس الهرم أمين عام الحزب حسن نصرالله ، واسرائيل لا تخفي أهدافها في هذا الشأن وأهمها تفكيك الجناح العسكري للحزب ونزع سلاحه ، وأقلها تراجعه الى شمال نهر الليطاني ، بعد أن أصبح الحزب أقوى عسكريا من الدولة والجيش اللبناني .
والمفارقة أن كل من حزب الله وحركة حماس يطالبان بوقف اطلاق النار ، فيما تصر اسرائيل على مواصلة الحرب حتى النهاية !.
Theban100@gmail.com