يُسجلّ للأردن الدفاع المستميت عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، فكان أولّ من نبّه إلى خطورة تقزيمها ناهيك عن إلغائها. وكان أول من شنّ حملة دبلوماسية للدفاع عنها، والتذكير بأهميتها، وحشد الجهود الدولية لدعمها.
ويأتي هذا الحراك الدبلوماسي المُهم، بإيعاز من لدن جلالة الملك وجهد مباشر وتوجيهات منه.
والحراك هذا مهمّ، لا بل حاسم، لعدة أسباب، منها ثلاثة على الأقل.
الأول، ويتمثل في أن الوكالة، كما يُستشف من اسمها، معنية بجانبين غاية في الأهمية للاجئين الذين شُردوا من ديارهم، داخل فلسطين وخارجها، وجُرّدوا من ممتلكاتهم: الإغاثة والتشغيل.
أما جانب الإغاثة فيشمل المعونات الأساسية، كالمأوى والملبس والمأكل، لمن هم بحاجة ماسة لذلك، إضافة إلى الصحة والتعليم وأنواع الرعاية الأخرى. وأما التشغيل، والذي يشتمل على التأهيل والتدريب، فيأتي ضرورة مُكملة للإغاثة، لأن تمكين الناس من إيجاد عمل يسد الرمق لا يقل أهمية عن المأوى والملبس والمأكل.
والنقطة المهمة هنا أن التضحية بِ أو القضاء على الوكالة سيكون كارثياً على الفئات المستفيدة، سيما وأنه لا توجد جهة أخرى تقوم على توفير هذه الخدمات الأساسية، لا بل المصيرية.
لا بل إن التضحية بها أو القضاء عليها، على هذا البعد، لهو بمثابة حرب إبادة من نوع آخر.
أما السبب الثاني فيرتبط بالبعد السياسي الرمزي للوكالة، والمُتمثل في الاعتراف على أرض الواقع بأن هنالك لاجئين شُرّدوا من ديارهم ما زالوا ينتظرون حلاً عادلاً شاملاً دائماً يُعيد لهم كامل حقوقهم على ترابهم الوطني.
والمساس بكينونة الوكالة، على هذا البعد المهم، هو مساس بحق العودة المقدّس، والذي لا يقبل أحد أن يتم الالتفاف عليه أو التلاعب به.
أما السبب الثالث فيكمن في أنّ الحراك الأردني القوي والفاعل والمثمر في هذا الاتجاه يُدلل على أهمية الفعل السياسي المحترف عندما يأتي في وقته، درءاً لشرور ناجمة عن ألاعيب سياسية خبيثة وشريرة.
ويندرج هذا الفعل ضمن آلية عمل الدبلوماسية الأردنية الحكيمة والمُحكمة التي تسعى، في الوقت الذي يكثر فيه الكلام، إلى القيام بمبادرات محسوسة ملموسة تؤتي أُكلها على أرض الواقع. وهذا ديْدن السياسة الأردنية منذ بداية المأساة الفلسطينية.
وفي الأيام المقبلة، ورغم الأحداث المتسارعة على جبهات عدّة مُزعجة ومُشوشة، لا بد من إبقاء الجهود الدبلوماسية حثيثة في إرساء قواعد دعم الدُّوَل للوكالة. وهذا ما نودّ التّأكيد عليه هنا.
عاملان اثنان يتطلبان مزيداً من الجهد والعمل، بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية، بهدف تثبيت مكانة الوكالة وتمتين أُسسها بأسرع وقت ممكن:
أوّلهما ويتصل بوجود العديد من الدول المؤثرة عالمياً والتي يمكن الاستفادة منها لهذا الغرض، سواء تلك المُتفهمة لعمل الوكالة ولحقوق اللاجئين، أو تلك التي بدأت تتفهم. لا بد من التشبيك مع مزيد من الدول لتقديم مزيد من الدعم المادي والمعنوي.
أمّا ثانيهما فيرتبط بدرء الخطر الذي يمكن أن يحدث في حال فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، الرئيس المعروف بانحيازه لإسرائيل وأطماعها أكثر من غيره، وبرعونة قراراته؛ بحيث تكون الوكالة واقفة على أقدامها بثبات، في حال محاولته المساس بها، وتكون عصيّة على ذلك.
أحسن الأردن، وأبدع، في تبنيّ هذه المبادرة.
الرأي