إيران: بين التقسيم أو عودة نظام الشاه
داود عمر داود
20-10-2024 07:01 PM
أصبحت الأسئلة تتردد، في الأونة الأخيرة، حول مستقبل إيران ككيان وكدولة، في ضوء ما شهدته من تطورات وأحداث في الفترة الماضية. كان آخرها مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان، في حادث المروحية، وذلك على خلفية صراعات داخلية بين أجنحة الحكم، عصفت باستقرار المنظومة الحاكمة.
ثم جاء انتخاب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان الذي يلتزم بخارطة طريق رسمها له المرشد علي خامنئي، تلخصت بتحسين الوضع الاقتصادي، لإرضاء الناس، ثم إنهاء الصراعات السياسية الداخلية، وتحسين العلاقات مع الجوار، والأهم التركيز على سياسة خارجية جديدة جوهرها محاولة كسب رضا الولايات المتحدة.
لكن يبدو أن واشنطن لم تستجب لمساعي طهران، لأعادة الثقة الى العلاقات بينهما، رغم جهود الرئيس بزشكيان، وتصريحاته التي تتصف بالخُضوع والاستكانة غرضها التقرب للأمريكيين، التي أدلى بها قبل وأثناء وبعد تواجده في نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
انقطاع المفاوضات بين إيران وأمريكا:
وقد عبّر وزير الخارجية الجديد، عباس عراقجي، عن فشل مساعي بلاده، للتفاهم مع امريكا، حين تحدث عن "انقطاع" جميع المفاوضات "غير المباشرة" بين الجانبين. مما استدعى الوزير الإيراني القيام بجولة في المنطقة طلباً لمساعدة العواصم العربية للتوسط لدى واشنطن كي تتحدث مع طهران. وشملت جولته عواصم لم تكن عادة على جدول الدبلوماسية الإيرانية مثل عمان والقاهرة.
تدهور "علاقات" طهران مع واشنطن:
فما هي قصة تدهور "العلاقات" أو "التحالف الخفي" بين إيران والولايات المتحدة؟ ولماذا أصبحت واشنطن تصر على إغلاق باب الحوار بوجه طهران؟ وما هي الخلافات الجوهرية بينهما، بعد عقدين من التحالف والتفاهم، أتاحت واشنطن لإيران خلالها فرض همينتها الكاملة على العراق، وسوريا، واليمن، وتعزيز قبضتها على لبنان، بواسطة "حزب الله"، الذي أصبح الحاكم بأمره في بيروت.
التحالف الخفي والفهم الخاطىء:
لقد اكتسبت إيران من الولايات المتحدة "شرعية" بسط نفوذها في العالم العربي. فبعد احتلال العراق مباشرة بدأت عملية تفاوض أمريكية – إيرانية أسفرت عن صفقة أو تحالف، أضفت أمريكا بموجبه صفة "الشرعية" على تدخل إيران في البلدان العربية.
لقد فهم حكام إيران، من هذا التحالف الخفي، أن ما أتاحته لهم واشنطن هو فرصة بالنسبة لهم لاستئناف "تصدير الثورة"، وبالتالي إمكانية فرض الهيمنة الإيرانية على الجوار العربي.
بينما فهم صانع القرار الأمريكي، من هذا التحالف الخفي، أن منح إيران دور "شرطي المنطقة" لحساب الولايات المتحدة، هو استئناف لنفس الدور الذي لعبه نظام الشاه، من قبل.
فكان لكلِ طرفٍ فهمه وتصوره الخاص لهذا التحالف، وهذا هو لب المشكلة اليوم. فقد حمل التحالف غير المُعلن بذور انهياره.
الاستدارة الأمريكية نحو جنوب شرق آسيا:
مبرر الولايات المتحدة لتعيين إيران شرطياً للمنطقة هو أنها كانت تسعى آنذاك لنقل اهتمامها وتركيزها إلى جنوب شرق آسيا، حيث التنافس الاقتصادي والعسكري على أشده بينها وبين الصين. فكانت واشنطن تبحث عن قوة إقليمية تنوب عنها في الشرق الأوسط، فوجدت ضالتها في إيران كونها قوةً إقليميةً، لديها من المقدرات ما يؤهلها لهذه المهمة، إضافة إلى قابليتها للتفاهم مع إسرائيل.
إيران تبيت إحياء إمبراطورية فارس القديمة:
لقد أرادت أمريكا من إيران أن تتخلى عن دعم أذرعها ومليشياتها في المنطقة، وأن يتحول "حزب الله" اللبناني الى حزبٍ سياسي، وأن تدير العراق ولبنان بما يتوافق مع المصالح الأمريكية.
لكن ما هي إلا سنوات قليلة حتى انكشفت لأمريكا النوايا الحقيقية لإيران، حين عبرت عن تطلعها لإحياء إمبراطورية فارس القديمة، مستغلة تحالفها الخفي مع أمريكا.
طموحات إيران تهدد المصالح الأمريكية:
هذه النوايا الإيرانية لم تعجب صناع القرار في واشنطن، الذين لم يخطر ببالهم أن إيران تتطلع لإحياء أمجاد الإمبراطورية الفارسية، الأمر الذي لا يتعارض مع مصالح أمريكا فقط بل اعتبرته تهديداً حقيقياً لهمينتها المنفردة على عالم اليوم.
ومن هنا أخذت إيران تفقد مصداقيتها تدريجياً أمام الأمريكيين، الذين أدركوا أنها تخلت عن التزاماتها تجاههم، خاصة في العراق، مما أدى إلى تباطؤ استدارتهم نحو جنوب شرق آسيا، كما كانوا يخططون، للتركيز على مواجهة الصين.
ورغم ذلك مضى الأمريكيون قُدماً، في نهاية عهد أوباما، في مكافأة إيران على تعاونها معهم، عندما وقعوا الاتفاق النووي، الذي دخل حيز التنفيذ بداية عام 2016.
فوائد الاتفاق النووي لإيران لا تُحصى:
كان الاتفاق النووي الإيراني هو الجائزة الكبرى التي منحتها الولايات المتحدة لإيران. فبموجبه رفعت واشنطن العقوبات الاقتصادية. وتبع ذلك فتح أبواب الاقتصاد الإيراني أمام الشركات الغربية والعالمية، شملت قطاعات البنوك، والتأمين، والنفط، والغاز، والبتروكيماويات، والنقل البحري، والموانىء، وتجارة الذهب، والسيارات. وهكذا أخذت إيران تشهد، خلال سريان الاتفاق، بداية انتعاشٍ اقتصاديٍ طال انتظاره.
تراجع أمريكا عن الاتفاق النووي:
لما أصاب الغرور حكام إيران بعد أن صار لهم كلمة في شؤون المنطقة، أخذوا يلعبون دوراً أكبر من المرسوم لهم في التفاهمات مع الولايات المتحدة. لذلك أعادت أمريكا النظر في تلك التفاهمات. واتخذت سلسلةَ إجراءات لتحجيم إيران، كان أولها إنسحابها من الاتفاق النووي، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. ثم أعادت فرض العقوبات الإقتصادية على إيران. وقد أعلن ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق، الذي لم يعمر سوى عامين ونصف، في 8 أيار مايو 2018. وكانت تلك ضربةً موجعةً لطموحات لإيران.
ثم أتبع الأمريكيون ذلك بتوجيه ضربةٍ ثانيةٍ باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في أول أيام 2020، الذي كان يتولى مهمة تشغيل مليشيات إيران في المنطقة.
سفيرة أمريكا الجديدة ببغداد ستتولى إدارة الملف الإيراني:
ولقد اتضحت نوايا الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران عندما جرى تعيين "تريسي آن جاكبسون"، صاحبة الخبرة الواسعة في التخطيط الإستراتيجي، سفيرة جديدة في بغداد. وقد أعلنت جاكبسون، بصراحة، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، أنها "ستعمل على تحجيم النفوذ الإيراني". ووصفت إيران بأنها "تشكل التهديد الأكبر للعراق".
وسيكون للسفيرة جاكبسون صلاحيات اتخاذ القرار "دون العودة الى البيت الأبيض"، وهي صلاحيات لم يتمتع بها حتى "بول بريمر" نفسه.
وتملك جاكبسون تصوراً واضحاً لطبيعة مهمتها حينما قالت "أن خطتي ستكون بشكل اساسي الاستعانة بالقوة العسكرية للقضاء على المليشيات، وضرب أي دولة تتدخل بالشأن العراقي". وتبدو هذه رسالة مفادها أن واشنطن تنظر للعراق وكأنه "درة التاج الأمريكي"، التي لا يمكن المساس بها بأي حال.
الخلاصة: تقسيم إيران أم عودة الشاه؟:
إذن، أصبح تحجيم إيران وتهميش دورها جزءاً من أهداف السياسة الخارجية الأمريكية. لكن يبدو أن تفكير المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين تجاوز هذا إلى ما هو أبعد وأخطر. ويبدو أنهم يتطلعون الآن إلى "حل المسألة الإيرانية" برمتها.
إذ يتردد هذه الأيام أن "الحل" المطروح على بساط البحث هو تقسيم إيران إلى عدة دول، أو إعادة نظام الشاه. وقد نُقل على لسان الرئيس بزشكيان تحذيره من تقسيم بلاده "إلى دويلات صغيرة إذا ما شهد وضعها الداخلي اضطرابات". وقد انتشرت خرائط توضح أن التقسيم سيقود إلى ظهورِ أربعِ دولٍ جديدة بدلاً من إيران الحالية هي: الأحواز، وكردستان، وأذربيجان الغربية، وبلوشستان.
وما أن شعرت طهران بجدية المسألة حتى انبرى رئيسها الجديد بزشكيان للادلاء بتصريحات غريبة، من رئيس دولة، يتذلل فيها ويستجدي الأمريكيين ويصفهم بأنهم "إخوة".
كما تردد أن الرئيس الإيراني توسل، خلال وجوده في أمريكا، الدوائر المعنية هناك بعدم تقسيم بلاده، وتعهد بالمقابل بتسليم جميع المليشيات الإيرانية كاملة، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مقابل عدم التقسيم. لكن أغلب الظن أن القرار قد أُتخذ في واشنطن حسبما كشفته السفيرة الأمريكية الجديدة في بغداد.
فهل تشهد الفترة المقبلة اضطرابات داخلية في إيران تكون مبرراً للتقسيم، أو مبرراً لعودة نظام الشاه، أو أن يكون التقسيم أولاً، ثم تجري وحدة فدرالية يكون على رأسها الشاه الذي "ينتظر" في أمريكا؟