مسار الكرك في عي ووادي عسال
عبدالرحيم العرجان
20-10-2024 12:44 PM
مسار يحتاج إلى الخبرة والقدرة وروح الفريق في فضاء مفتوح من عي الكرك إلى غور الصافي بفارق انخفاض 1250 متر مابين البداية والنهاية.
عي بلد الشهيد البطل الكساسبة ..
مع الصباح الباكر وصلنا بلدة عي في سباق مع الزمان لإنجاز المسار كاملا دون المبيت في الوادي والمحتاج لتعاون الفريق وحنكة قائده محمود الكردي في إدارة الوقت مرحبين بضيفينا ورفقاء دربنا محمد وعثمان من دولة الكويت الشقيقة من آل الكندري الكرام اللذان قدِما خصيصا لهذه الرحلة وهم من المتمرسين بسياحة المغامرة والمسير والترحال.
عي بلد الشهيد البطل معاذ الكساسبة الذي لبى نداء الواجب لمحاربة الإرهاب والذود عن حمى الوطن والأمة قائد طائرة سلاح الجو الأردني ال إف 16، إبن بلدة عيْ الموثقة بأقدم خرائط العالم ضمن أرضية كنيسة القديس جوارجيوس بمأدبا بإسم " أتا " باليونانية وما حولها من خرب طاعنة بالتاريخ مثل خربة المشافي وموقع عامود المهر وابثينه المشرفة على بحر زقر (الميت) في نهاية مسارنا المنشود، وبلدة عي تعتبر علم من أجمل حروف لغة الضاد وأعذبها ينطق بموسيقى ومقصد المعنى والعجز عن الأمر والإسم قد يكون جاء من صفة تضاريسها الصعبة الحصينة، كما ورد ذكرها بمذكرات الرحالة لويس موزيل بإسم "أي".
ومن بين الصخور المتفسخة من عصور سلكنا طريقنا متخللين بساتين التين والزيتون تقرأ التاريخ في سيقانها المتشبثة بأرض المكان ومن بيادر القمح التي حرثت انتظارا لموسم المطر، وفي قمم الجبال توجد بلدتي كثربا وجوزا، لندخل من هناك في بطن الوادي الآخذ بالضيق الغير محتاج لتطبيقات التموضوع لتحديد المكان ،وصولا للإنزال الأول والتجهز بارتداء الحزام الحامل بالشكل الصحيح والآمن وارتداء خوذة الرأس مع إعادة تعليمات قائد المسار بشروط السلامة والتعاون بمد يد العون عند كل منزلق ومقطع صخري.
الوصول للإنزالات الأحد عشر ..
توالت الإنزالات بارتفاعات متباينة ما بين 40 متر إلى 10 أمتار بتضاريس مختلفة منها ما كان هوائي أو بمرحلتين معظمها احتاج للمهارة خصوصا عند نقطة البداية الضيقة الشبيهة بالقمع ضمن مجرى الماء الموسمي وفي كل إنزال كان يعيد القائد لنا بضرورة التأكد من سلامة الحبال والخطافات والمشابك فالسلامة مطلقة وهي الأساس في عمليات الإنزال والمكان غير قابل لأدنى خطأ فني، وبعض منها كنا نقوم بالإنزال الثنائي للسرعة بالإنجاز واختصارا للوقت ، تلا إحداها ممرا ضيقا وفوقة صخرة قد انحشرت شبيهة بصخرة فلم 127 ساعة الشهير.
المذهل بالمسار إصرار وصول الناس إليه لندرته وعذريته ونقائه وبعده عن التلوث وآثار الزائرين ونفاياتهم، فأنت تشاهد طبيعة بكر وغطاء نباتي يتجدد بتباين التضاريس كل عام شامخة في المكان لعبت بها الريح والماء بجمال التشكّل بذكاء الطبيعة وإرادة الخالق ضمن صخور التكوين بمحيط حفرة الإنهدام بوادي يكثر به مركب الدولومايت وهو خليط من كربونات الكالسيوم والمغنيسيوم المهم للزراعة والصناعات الكيميائية والإسمنت والحديد.
تحدي القصب ..
كان من أكبر تحديات المسار هو كثافة القصب وتشابكه في المسار وعدم وضوح الطريق أو وجود درب "خطيطة" دكّته أقدام العابرين يعرفه المارين ببعض المناطق تتجاوز ارتفاعه المترين ونصف، ويستوجب عدم التباعد مابين أعضاء الفريق فإن غاب عن النظر أحد من الفريق فقد تدخل في متاهة العودة لإيجاده أو إيجاد مجموعتك ولهذا يجب ارتداء ملابس بألوان زاهية، كما علينا كل فترة أن نتبادل الأدوار لفتح واكتشاف الطريق مع الحذر الشديد لمعرفة موطئ الأقدام خشية وجود الأفاعي بكثرة بما هو معروف عن هذا الوادي، ففي معابر تضطر بأن تزحف و في مناطق أخرى عليك أن تسير مع مجرى الماء متحملا وخزات رؤوس أوراق القصب الذي تتشابك مع الدفلى وأشجار الحماط بين كل إنزال وآخر.
وما أن أنهينا الإنزال الأخير "الحادي عشر" حتى بدأت مرحلة أخرى من تحدي القصب امتدت لأكثر من اثنين كيلومتر ، أتممناها بتنفس الصعداء بحق وبلوغ بر الأمان مع المغيب، وصولا لما يعرف بوادي عسال السفلي "الذي تحدثنا عنة في مقال سابق" ، السهل لمحدودية المقاطع وأخذ استراحتنا هناك وتقاسمنا طعام الغداء فيما بينا من معلبات وفواكة وفنجان قهوة، لنتحرر بعدها من أدوات الإنزال وخوذ السلامة واستبدالها بعصي الإرتكاز وأضوية الرأس لنتمم مسيرنا مع سكون الليل عبر الوادي المفضي للغرب وخرير الماء يحاكي انعكاس اكتمال القمر على صفحته ..، اكتملت الصورة بسماع نقيق الضفادع وأزيز الحشرات كسمفونية بصوت الـ طبيعية يعجز عن عزفها أمهر الموسيقين .
وبذلك نكون قد أتممنا مسارنا البالغ 22 كلم متر متضمن 11 إنزال جبل بسلام ونجاح خلال 14 ساعة عائدين بأجمل الصور والتجارب ورسالة فخر أردنية يحملها ضيفنا إلى دولته الكويت الشقيقة.