الدورة العاشرة لمنتدى الاعلام العربي (يواظب نادي دبي للصحافة عقدها منذ العام 2001), كانت ذات نكهة متميزة ربما يكون العنوان الرئيس لصحيفة الامارات اليوم, الاكثر تعبيراً وتجسيداً لتلك الخصوصية التي اتسمت بها هذه الدورة «.. الثورة العربية تحضر منتدى الاعلام العربي».. على نحو حال دون البحث عن عناوين وتسميات جهد كثيرون ممن حضروها, تلخيص الاجواء والمناخات المريحة التي سادت اروقة الدورة ونظمت نقاشاتها وخصوصاً محاورها, التي توسل منظموها كل ما يمكن ان يضفي عليها طابعاً عملياً وميدانياً فرضه عنوانها الرئيس (الاعلام العربي وعواصف التغيير), وبخاصة أن الربيع العربي ما يزال يفرض نفسه على المشهد العربي, وان الانتفاضات المتدحرجة ما تزال تستقطب اهتمام الشعوب العربية وتكتب جدول الاعمال الاقليمي بل الدولي, وإن كان كثيرون في عواصم القرار الدولي, ما زالوا لم يستوعبوا بعد حجم وتداعيات هذه الانتفاضات, التي وضعت مراكز الدراسات والابحاث في حالة طوارئ, واجبرت ادارات الحكم في الغرب على اعادة قراءة التاريخ (والجغرافيا) العربي من جديد, وهي اذ لم تفلح في التخلي عن احكامها المسبقة, التي حكمت سلوكها ازاء المنطقة العربية, التي تصرّ على تسميتها (بالشرق الاوسط وشمال افريقيا) في محاولة قسرية لـِ(ليّ) عنق الحقيقة, والطمس على ما «كان» يعرف بالعالم العربي (حيث يشاركها من اسف, رهط من المحللين والسياسيين والحزبيين العرب, بعضهم عن قصد وجلّهم عن غير قصد) اقول: كانت مصر (كما تونس) حاضرة بقوة في مناقشات المنتدى نظراً لما استطاع المصريون والتوانسة انجازه في اسابيع قليلة شارفت حدود المعجزات, وبخاصة ان الحديث يدور عن اطاحة نظامين بوليسيين فاسدين لا يتمتعان باي احترام او ثقة شعبية ويرتبطان بدونية وتبعية مذلتين, بالدوائر الاميركية والصهيونية، بدا للكثيرين ان اطاحتهما تقترب من حدود المستحيل.
ما علينا..
فرضت الثورتان المصرية والتونسية جدول اعمال جديدا على مشهدي البلدين طالت في جملة ما طالته – بل وفي الاساس – المجال الاعلامي الذي كان موبوءاً ومنحازاً وتافهاً (كما تنبغي الاشارة) وبخاصة في تبعيته وانحيازه لقوى الفساد وعصابات الافقار والتجويع والنهب المنظم والمكشوف لثروات البلاد وعرق الجمهور وتنكره لمواثيق الشرف واخلاقيات المهنة, على نحو بات مجرد بوق لخطاب السلطة الرديء التي لم تتوقف اجهزتها عن التدخل في التعيينات وتوجيه الاحداث والمعطيات والارقام وفق قراءاتها ورواياتها، التي لا تعرف (بالطبع) لا الموضوعية ولا النزاهة ولا المهنية, ما اوصلها عشية الثورة الى أزمة قاتلة, كان على قياداتها المفروضة من قبل الاجهزة الامنية مواجهة الحقيقة، لكنها وقد ادركت نهاياتها نقلت البندقية من كتف الى كتف ولم يكن هذا مقبولاً وخصوصاً انهم كانوا في حال «تعرٍ مهني» وفي اطار مهرجان من الدجل الصحفي, بل ان هناك من الصحف من خرجت تحرض على العنف المجتمعي على ما قال مدير تحرير صحيفة الشروق وائل قنديل الذي ابدى خشية من وقوع الاعلام المصري في حال «لبننة» صحفية, وان لم يتردد رغم ذلك, الاشارة ان مستقبل الاعلام المصري مرتبط بالتطور السياسي في البلاد..
قراءة الاعلاميين المصريين, الذين التقوا في جلسة مثيرة وحيوية, أشّر الى ذلك امتلاء القاعة الرئيسية التي تعقد فيها الجلسات والحوار الصاخب والحماسي, الذي دار بعد انتهاء مداخلات فرسانها الاربعة وهم منى الشاذلي ومجدي الجلاد وحمدي قنديل ووائل قنديل, وادارها مذيع قناة الجزيرة محمد كريشان, اقول: كانت قراءة الاعلاميين الاربعة للاعلام المصري بعد 25 يناير متباينة قليلاً, وإن اجمع «اربعتهم» على أن ثمة تحولاً دراماتيكياً قد طرأ على وسائل الاعلام الرسمية, التي تحولت الى صوت متطرف من صوت للحاكم والاجهزة الامنية, لدرجة أن صحفيي الحكومة (الان) لا يعملون وفق رؤية مهنية أو برنامج لتطوير الاعلام, الامر الذي يعني أن الخريطة الاعلامية لا تتشكل وفق منطق ما بعد الثورة, وان الذي يتقدم (بعد 25 يناير) هو الاعلام الخاص وصعود المحطات التلفزيونية المستقلة على حساب القنوات الرسمية وتراجع توزيع الصحف الرسمية التي كانت تسمى قومية)..
ثمة اذاً قراءة لافتة, بدأتها المتحدثة الاولى في الجلسة منى الشاذلي مقدمة البرنامج الحواري الشهير على قناة دريم (الساعة العاشرة), عندما لفتت الى عدم دقة عنوان الجلسة وقالت أن الثورة لم تكتمل بعد, ولهذا اقترحت أن نقول الاعلام المصري «خلال الثورة», حملت بعدها بشدة وانتقاد لاذع ومرير على صحفيي ما قبل الثورة, التي اطلقت عليهم وصف «المتحولين» الآكلين على كل الموائد, واصحاب ثقافة تلقي الاوامر ورفضت (كما زميلها مجدي الجلاد) اعتبار الحياد مساحة رمادية بل وصفته (الحياد) بأنه قول الحقيقة لأنها موقف سياسي في مواجهة نظام قمعي..
أين من هنا؟
الجدل والسجالات التي دارت في هذه الجلسة المثيرة, اتكأت على الماضي نبشاً وتقريعاً ونقداً لاذعاً وغمزاً من قناة «فرسان» المرحلة البائدة, اكثر مما اعتنت بالبحث عن ملامح المرحلة المقبلة أو تحديد أطرها واقتراح برامجها, وإن كان رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم مجدي الجلاد لفت الى مسألة مهمة تعكس قلقه (النسبي) مما يجري عندما قال: «... الاخطاء التي تحدث الان, يتم تحميلها للاعلام بما في ذلك وجود السلفيين, وستحدث أزمة اذا ما سحبت المؤسسة العسكرية الهامش القائم الان» وثمة من رأى ان السبيل الى تطوير الاعلام المصري هو تغيير نمط الملكية للصحف القومية دون أن يعني ذلك خصخصتها.
.. للحديث صلة..
Kharroub@jpf.com.jo